جوہر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
اصناف
لم يختلف تصرف معظم الإنجليز والفرنسيين الذين ذهبوا لاستكشاف أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر كثيرا عن تصرف أسلافهم الإسبان في أمريكا الوسطى والجنوبية؛ فكانت أي محاولة من جانب السكان المحليين لمقاومة استيلاء الوافدين على الأراضي التي يستهدفونها تسحق بوحشية. لم ينطبق هذا على الآباء الحجاج، الذين تركوا إنجلترا في عام 1620 للهروب من الاضطهاد الديني.
30
أبحر هؤلاء من بليموث إلى فيرجينيا، التي استعمرها الأوروبيون في عام 1607، لكن لأنهم ذهبوا دون خرائط بحرية، رسوا أبعد من هذا بأكثر من 400 ميل شمالا عند كيب كود في ماساتشوستس، ومنذ هذا اليوم يفتخر أهالي بوسطن ونيو إنجلاند بسبب موقفهم المتسامح تجاه الأقليات العرقية مثل الهنود الأمريكان وتجاه الأقل ثراء. أسس فرانسيس كابوت أول مصنع للغزل والنسيج في العالم في بداية القرن التاسع عشر، وعلى عكس المصانع في لانكشاير واسكتلندا، كانت ظروف العمل مثالية. استخدم أفراد آخرون من عائلة كابوت ثروتهم في تأسيس مؤسسات مثل مستشفى ماساتشوستس العام وأوركسترا بوسطن السيمفوني. كانت أسرة لويل
31
أسرة خيرية أيضا، لكن الأسر الباقية كانت أقل إيثارا؛ فقد مات أكثر من نصف الأمريكان الأصليين البالغ عددهم 1,5 مليون، الذين كانوا يعيشون في بداية القرن السابع عشر في جميع أنحاء كندا والولايات المتحدة الأمريكية، على يد المستعمرين الجدد؛ الإنجليز والفرنسيين من أوروبا، والإسبان من المكسيك. (3-2) أبطال معاصرون
بمجرد رسم حدود القارات على يد المستكشفين الأوروبيين (والصينيين)،
32
واستعمار المناطق الداخلية بها عبر غزوات من أبناء بلادهم الذين يتمتعون بالقدر نفسه من روح المغامرة، اكتسب سعي الإنسان معاني أخرى أكثر شهامة؛ فلم يعد الإنسان يبحث عن مجرد طرق بحرية جديدة، أو معادن نفيسة، أو مناطق جديدة يستقر فيها، لكن لأن أي مكان في العالم لم يذهب إليه أصبح يمثل تحديا، وكلما تعذر الوصول إليه كان ذلك أفضل. بدأنا بالأراضي القاحلة المتجمدة في الغطاء الجليدي القطبي، وانتهينا بسطح القمر الأقل ملاءمة للحياة.
كانت ثمة صعوبة مزدوجة في الوصول إلى القطب الشمالي؛ فهو يبعد أميالا كثيرة عن أقرب نقطة يمكن الوصول إليها بالقارب، كما أن الجليد يذوب ليصنع برك مياه مما يجعل الذهاب بالمزلجة أمرا صعبا. يوجد أيضا خطر ذوبان الجليد عند الحواف أو تشققه. كل هذا يحدث في الصيف؛ فلم يكن أي شخص بالغباء الكافي ليحاول الذهاب إلى هناك في الشتاء، عندما تنخفض درجة الحرارة إلى −70 درجة مئوية ويستمر الظلام طوال 24 ساعة في اليوم. لم يردع هذا ضابط البحرية الأمريكية روبرت بيري؛ فقد ذهب في ثماني رحلات إلى القطب الشمالي، ونجح في رحلته التاسعة، فادعى أنه وصل مع رفيقه الأمريكي ماثيو هينسون، تجرهما الكلاب، إلى القطب الشمالي في 6 أبريل عام 1909؛ فكانا أول رجلين يفعلان هذا. أنا أتحدث عن القطب الشمالي الجغرافي، أما القطب الشمالي المغناطيسي، الذي تشير إليه كافة البوصلات، فيبعد أكثر من 300 ميل جنوب غرب القطب الشمالي الكندي، ولم يصل إليه أحد حتى عام 1926، وكان هذا على يد ريتشارد بيرد، أمريكي آخر، على متن طائرة، والمستكشف النرويجي روال أموندسن على متن منطاد مزود بمحرك توجيه.
يمثل القطب الجنوبي تحديا آخر؛ فهو أكثر بعدا من الناحية الملاحية وأعلى من مستوى سطح البحر بنحو 9816 قدما (2922 مترا)، مما يجعل تسلق كتل صخرية من الجليد، خاصة مع فريق من الكلاب، أمرا شاقا، لم يخف هذا أموندسن، الذي حاول ونجح بالفعل في 14 ديسمبر عام 1911. ووصلت رحلة استكشافية بريطانية بقيادة روبرت سكوت، انطلقت في العام السابق، إلى القطب الجنوبي في يناير عام 1912، بعد شهر واحد من أموندسن؛ ولك أن تتخيل الإحباط الذي أصابهم.
نامعلوم صفحہ