جوہر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
اصناف
12
على تحليل عينة فعلية، وبدلا من ذلك، يمكن الاستدلال على التاريخ الذي ظهر فيه أي كائن حي لأول مرة من التحليل الجزيئي لذريته. وتتمثل إحدى طرق فعل هذا في تحليل امتدادات الدي إن إيه. وثمة طريقة أخرى تتمثل في تحديد تسلسل بروتينات معينة. وتوجد طريقة ثالثة؛ وهي طريقة التهجين المشروحة في الفصل الثاني (الهامش 26). تعتمد كل طريقة على مقارنة دي إن إيه أو بروتين أحد الأنواع بالخاص بنوع آخر، وكلما زاد اختلافهما، زادت الفترة التي مضت على انفصالهما. ونظرا لأن الاختلافات تكون بسبب الطفرات، يمكن لمعرفة نسبة حدوثها أن تعطي المرء نطاقا زمنيا فعليا، ومن خلال طرح افتراضات معينة، هذا بالضبط ما تمكن العلماء المتخصصون في الجزيئات من فعله. وكان ثمة تشابه ملحوظ بين النتيجة، التي رسمت في شكل شجرة ذات أغصان تعبر عن التفرعات داخل المملكة، والشعبة، والفئة، والرتبة، والفصيلة، والجنس، والنوع، وأشجار الحياة التي رسمت منذ 100 سنة اعتمادا بالأساس على الحدس وحده. في كلا النوعين يوجد الإنسان العاقل في القمة، لكن إذا كانت نهاية الفرع من المفترض أن تشير إلى مدى حداثة تطور هذا النوع، ألا ينبغي أن يحتل فيروس مثل فيروس العوز المناعي البشري مركز الصدارة؟ (2-2) الأوسترالوبيثكوس
بدأ سلفنا المباشر في السير منتصبا لأول مرة على نحو مستمر منذ أكثر من 5 ملايين سنة؛
13
إذ فقد أصابع القدم المفلطحة للرئيسيات المتسلقة للأشجار، وبدلا من ذلك حصل على تقوس في أسفل قدمه. توجد مميزات واضحة للسير باستقامة على طرفين، بدلا من الانحناء على أربعة أطراف؛ مثل الحصول على رؤية أفضل من أجل البحث عن مفترسات أو فرائس عبر الحشائش الطويلة (زيادة بأربعة أضعاف في مساحة الأفق المرئي)، وحرية اليدين من أجل حمل الأشياء مثل الطعام أو الأطفال الرضع، كما أن الزيادة في حساسية اليدين والطرف العلوي تعني قدرة أصحاب المشية على قدمين على الاستكشاف في الظلام وفي أماكن لا تستطيع أعينهم الرؤية فيها؛ فالقدرة على الإحساس بالملمس والوزن تلعبان دورا مهما في التقدم الاستكشافي للإنسان. هذا وذكرت القدرة على حمل الأدوات أو الأسلحة بوصفها فوائد جينية أخرى للسير على قدمين، لكن من غير المحتمل أن تكون أحد العوامل؛ نظرا لأن السير على قدمين سبق استخدام الأدوات بنحو مليوني سنة. والواضح أنه بمجرد تحرر الأطراف الأمامية من حمل وزن الجسم، أصبح ظهور الحرف اليدوية ممكنا. ولهذه الأسباب أعتبر المشية المنتصبة إحدى السمات الأربع التي مكنت من تحقيق سعي الإنسان وراء التكنولوجيا الحديثة؛ فطالما كان ذراعاه يستخدمان في دعم حركته، لم يكن باستطاعة أصابعه التطور إلى لواحق قادرة على صنع الأدوات. وتمثل البديل لظهور السير على قدمين بدلا من السير على أربع في بطء الحركة؛ فالحيوانات التي تسير على أربعة أقدام، مثل الغزال والفهود والخيل والكلاب، تتحرك أسرع من الإنسان، لكن مقارنة بالرئيسيات الأخرى، لم يفقد الإنسان كثيرا من سرعته؛ فيمكنه بسهولة أن يسبق الغوريلا أو الشمبانزي.
عثر على البقايا الحفرية لكائن منتصب القامة، أطلق عليه أوسترالوبيثكوس أفارينيسيس ويسمى اختصارا لوسي (فقد كانت لأنثى)، منذ ربع قرن في وادي أواش الأوسط في إثيوبيا، ويرجع عمرها إلى 3,2 ملايين سنة، لاحظ أن مصطلح أوسترالوبيثكوس لا يشير إلى أصل أسترالي؛ فهو يعني فحسب «قردا جنوبيا». كان اكتشاف لوسي مهما لسببين؛ أولا: لأن نحو 40٪ من هيكلها العظمي كان من الممكن إعادة تجميعه بدقة. وثانيا: لأنه عند الانتهاء من عملية إعادة التجميع هذه، أظهر الهيكل النهائي أنها سلف الإنسان الحديث (رغم وجود شك حاليا لدى بعض علماء الحفريات البشرية بشأن انحدار نوع الهومو مباشرة من الأوسترالوبيثكوس أفارينيسيس نفسه)، ومنذ بضعة سنوات، عثر على سليل محتمل للوسي، يدعى أوسترالوبيثكوس جارحي، في الوادي نفسه، وأرخ إلى 2,5 مليون سنة مضت، كان أطول من لوسي (التي كانت قصيرة على نحو استثنائي)، وكانت أسنانه تشبه البشر أكثر، لكن ما زالت لديه أذرع طويلة إلى حد ما ودماغ صغير نسبيا. عثر على بقايا من هياكل عظمية لكائنات أخرى يحتمل أن تكون أسلاف الإنسان على طول الوادي الفسيح المعروف باسم الصدع الأفريقي الشرقي، الذي يمتد من إثيوبيا والبحر الأحمر في الشمال، ويمر عبر أوغندا وكينيا، وصولا إلى تنزانيا والدول الأخرى التي تقع على حدود بحيرة مالاوي في الجنوب (بحيرة مالاوي هي تسمية خاطئة؛ فقد أخطأ المستكشف ديفيد ليفينجستون، الذي أطلق هذا الاسم عليها، في فهم إشارات السكان المحليين الذين أشاروا إلى المياه وقالوا «مالاوي»؛ فهذه الكلمة تعني ببساطة «بحيرة»).
14
وفي هذا الوادي الطويل أيضا، عثر على أقدم بقايا لجنس جديد، ينتمي إلى الهومو، وتحدد تاريخه بأنه يصل إلى نحو 2,5 مليون سنة مضت.
في وقت تأليف هذا الكتاب، تحدد سلف آخر محتمل للهومو على أساس جمجمة عثر عليها في الصدع الأفريقي الشرقي، هذه المرة بالقرب من بحيرة توركانا في شمالي كينيا. أظهرت القطع المتحجرة عند إعادة تجميعها أن صاحبها كان لديه دماغ في حجم دماغ الشمبانزي، لكن وجهه كان مفلطح أكثر وأسنانه كانت أصغر، أقرب للشبه بأسنان الإنسان. وتحدد تاريخها بين 3,5 ملايين سنة و3,2 ملايين سنة مضت. بعبارة أخرى في خلال فترة الأوسترالوبيثكوس أفارينيسيس. دفعت السمات المميزة المتمثلة في الوجه المفلطح والضروس الصغيرة الفريق، الذي ضم فردين من أسرة ليكي التي اشتغلت بالبحث عن الحفريات في هذا الجزء من أفريقيا لأكثر من جيل، إلى اعتبار هذه البقايا لا تعبر فحسب عن نوع جديد، ولكن تنتمي أيضا إلى جنس مختلف عن الأوسترالوبيثكوس؛ ومن ثم أطلقوا عليه اسم إنسان كينيا (كائن ذو وجه مفلطح يشبه الإنسان من كينيا)،
15
نامعلوم صفحہ