جوہر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
اصناف
هوامش
الجزء
الجدل الدائر: السعي الحالي
الفصل الثاني عشر
التلاعب بالجينات 1: الأطعمة المعدلة جينيا
لا يوجد جانب في علم الأحياء يشهد سعيا دائبا في عصرنا الحالي للتوصل إلى تكنولوجيا جديدة أكثر من جانب تعديل الجينات؛ جينات النباتات والحيوانات، وجينات نوعنا نفسه. وتسببت تبعات هذا البحث - المتمثلة في إنتاج أطعمة وأشخاص معدلين جينيا - في ظهور جدل كبير سأكون مقصرا إن أغفلت ذكره. ولهذا السبب، أضفت جزءا ثالثا إلى قصتي من أجل الحديث عن هذه الموضوعات.
ظهرت إمكانية عزل الجينات وإدخالها في كائنات خارجية - مثل إدخال جين بشري في خنزير، أو جين بكتيري في نبات القطن - نتيجة بحث مختلف تماما؛ هو البحث عن علاج للسرطان. فقد شهدت فترة ستينيات وسبعينيات القرن العشرين إحياء لفكرة أن السرطان ربما تسببه الفيروسات. وكما رأينا في الفصل السابق، اتضح قبل هذا بأكثر من نصف قرن أن نوعا معينا من سرطان الدجاج يسببه نوع من الفيروسات، لكن ظلت هذه الملاحظة منسية حتى عام 1966 عند حصول مكتشفها العالم الأمريكي بيتون روس على ما يستحقه من تقدير عبر فوزه بجائزة نوبل. وبما أن هذه الجوائز لا تمنح إلا للأشخاص الأحياء القادرين على تسلمها بأنفسهم، كان من حسن الحظ أن بيتون روس كان رجلا يتمتع بالصحة؛ إذ استطاع الانتظار حتى بلغ السابعة والثمانين من العمر حتى يذهب في هذه الرحلة إلى ستوكهولم.
في أوائل سبعينيات القرن العشرين قرر الرئيس ريتشارد نيكسون أن باستطاعته الحصول على بعض رأس المال السياسي من خلال زيادة سخية في ميزانية المعهد الوطني للسرطان، أحد المعاهد الوطنية للصحة بالقرب من واشنطن، أكبر مركز أبحاث طبية في العالم؛ فتقرر أن تذهب الأموال إلى تمويل الأبحاث التي تهدف إلى تحديد سبب فيروسي للسرطان. جاءت النتيجة مختلفة تماما؛ فكما ذكرنا، اتضح أن عددا قليلا من أنواع السرطان تسببه إصابة فيروسية مباشرة. ومن ناحية أخرى ، اتضحت الآليات الأساسية التي تنمو بها الفيروسات داخل خلايا عائلها، وتندمج أحيانا في أحد كروموسوماته. فكانت معرفة كيف يحدث انتقال الجينات، من الفيروس إلى دي إن إيه الحيوان، هي التي مهدت الطريق أمام اكتشاف التكنولوجيا المطلوبة لإدخال جينات مأخوذة من أحد الأنواع في نوع آخر . لكن توجد مشكلة.
يتعرض العلم، مع دخولنا في الألفية الجديدة، إلى نقد مستمر من وسائل الإعلام، فينقلب البحث عن المعرفة بالسوء علينا؛ ففي أوروبا، يدمر المتظاهرون ضد الأطعمة المعدلة جينيا المحاصيل التجريبية، ويقولون إن بيئتنا في خطر وحياتنا مهددة. كما أن إمكانية استنساخ البشر تمثل بيئة خصبة للصحفيين. لم تعد التطورات التي تحدث في العلوم الفيزيائية تقلق العامة كثيرا في عصرنا الحالي؛ فقد خمد إلى حد كبير الجدل النووي الذي نشب في ستينيات القرن العشرين، ولم تعد تقلق أحدا حقيقة أن عدد الأقمار الصناعية للتواصل عن بعد التي تدور حول الأرض يجعل من الصعب على علماء الفيزياء الفلكية معرفة معلومات عن المجرات الموجودة فيما وراء حدود مجموعتنا الشمسية، أو أن كل قمر صناعي يطلق في الغلاف الجوي للأرض يحدث ثقبا صغيرا فيه. هل يوجد مبرر لمخاوفنا بشأن التكنولوجيا الطبية الحيوية الجديدة؟ من حق كل إنسان أن يكون له رأيه الخاص، خاصة إذا كان قائما على اعتناق معتقدات دينية بإخلاص. لكن إذا كانت الآراء قائمة على فهم خاطئ للحقائق، فإن الحل يكون بالتأكيد شرحا للمبادئ الأساسية على نحو أفضل، وبلغة بسيطة يمكن للجميع فهمها. صحيح أن وسائل الإعلام تقوم بعمل رائع، إلا أن قصصها تكون عادة محرفة ومتحيزة لاتجاه معين. فقد روجت إحدى الصحف الإنجليزية (ذا صنداي تايمز) لعدة سنوات - على خلاف كافة الأدلة العلمية - لفكرة أن مرض الإيدز ينتج عن تعاطي المخدرات، وأن الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري ليست السبب الرئيسي له. وظهر مرة أخرى رأي مماثل بشأن الإيدز في الأجزاء الجنوبية من أفريقيا، وأدى إلى خسارة آلاف الأرواح. تتمثل المشكلة في مثل هذه التقارير أنها تصل إلى قطاع أكبر من الجمهور مقارنة بالمقالات النقدية التي يكتبها العلماء. لهذا يتحتم علينا أن نحسن شرح تعقيدات العلم للعامة. وفي الفصلين اللذين يتألف منهما الجزء الثالث سأحاول أن أستعرض بحيادية موضوع الأطعمة والبشر المعدلين جينيا؛ إذ إن أحد أكثر الجوانب التي يساء فهمها في هذه التكنولوجيا الحديثة، ويظهر في كل مرة يذكر فيها استخدام الكائنات المعدلة جينيا، هو طبيعة المخاطر. (1) المخاطر
تتعلق المخاطر بالاحتمالات، وتتحكم الإحصائيات في الاحتمالات. افترض أن عيد ميلادك في شهر يناير، عندئذ فإن احتمال أن تقابل شخصا آخر عيد ميلاده في شهر يناير أيضا يكون 1 إلى 12؛ نظرا لوجود 12 شهرا في السنة. أما إذا كان عيد ميلادك في 27 من يناير (مثل موتسارت)، فإن احتمال أن يكون عيد ميلاد صديقك الجديد أو صديقتك الجديدة في اليوم نفسه يبلغ تقريبا 1 إلى 12 × 30، أي 1 إلى 360، نظرا لوجود 30 يوما في الشهر تقريبا.
نامعلوم صفحہ