جوہر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
اصناف
تقضي بأن الكنيسة الإنجيلية وغيرها من الطوائف البروتستانتية - فعليا كل العقائد الأخرى غير الكاثوليكية الرومانية - مرفوضة بوصفها «معيبة» وتعاني من «نقائص». من ناحية أخرى، لانت الكنيسة في تعاملها مع جاليليو (الذي حرمته كنسيا بسبب تجاهله للمرسوم الذي أصدرته بمنع تدريس آراء كوبرنيكوس، بأن الأرض ليست محور الكون)؛ فبعد وقوع هذا الحدث بنحو 360 عاما رجحت كفة المنطق على العقيدة (فعبر البابا يوحنا بولس الثاني عن هذا قائلا - في عبارة فاترة قليلا: «فسر سوء فهم مأساوي متبادل على أنه انعكاس للتعارض بين العلم والإيمان.» للأكاديمية البابوية للعلوم في عام 1992).
حتى لا أتهم بالتحيز في وصفي للشئون داخل كنيسة روما، أضيف سريعا أن العقيدة هي نفسها لدى بعض البروتستانت؛ ففي كثير من الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية، يدرس خلق العالم منذ 6 آلاف سنة، في غضون 6 أيام، وخلق الإنسان، كما ورد في سفر التكوين، للأطفال في المدارس (في فصل العلوم؛ فالتعليم الديني ممنوع في المناهج الدراسية في الولايات المتحدة). وتدرس الأفكار المستحدثة عن العالم وكون عمره وعمر الكائنات فيه يقدر بخمسة مليارات سنة - بما في ذلك الإنسان الذي تطور تدريجيا عبر اختيار الأصلح - على مضض بوصفها احتمالا بديلا فحسب. هذه خطوة حديثة إلى الأمام؛ فطوال سنوات كثيرة عقب محاكمة سكوبس في عام 1925، التي نجحت فيها مقاضاة معلم في مدرسة في ولاية تنيسي بسبب تدريسه لنظرية داروين، كانت المدارس في كثير من الولايات الجنوبية ممنوعة من تدريس نظرية التطور على الإطلاق. وكل بضع خطوات في أحد الاتجاهات مصحوبة ببعض الخطوات في اتجاه آخر؛ ففي عام 1999 صوت مجلس التعليم بولاية كانساس على إلغاء تدريس نظرية داروين عن التطور من كل المدارس التابعة له.
ظهرت نظرية الخلق مؤخرا في إنجلترا، عندما قررت مدرسة في بلدة جيتسهيد تدريسها بجانب التطور. كان مبررهم في ذلك إعطاء الطلاب الإحساس بنظريات متعارضة حول نشأة الإنسان. إلا أن نظرية داروين عن التطور تدعمها الأدلة العلمية بشدة تماما مثل فكرة أن الأرض كروية وليست مسطحة، وأنها تدور في مدار حول الشمس، وليس العكس. ويبدو لي أن مقارنة «أصل الأنواع» بكتاب سفر التكوين أمر هزلي تماما مثل مقارنة بحث كريستوفر كولومبوس ببحث هانسل وجريتل؛ فأحدهما واقع والآخر أسطورة. إذا كان المدرسون في جيتسهيد أرادوا توضيح نظريات معارضة لنظريات التطور، فلماذا لم يشجعوا طلابهم على الفصل بين التطور والتأقلم؛ بين داروين ولامارك؟ على أي حال، إذا تقبل المرء وجود أديان أخرى بخلاف ثلاثية اليهودية والمسيحية والإسلام تقوم على معتقدات راسخة لدى متبعيها بالقوة نفسها، فإن فكرة خلق العالم بأكمله على يد إله واحد محدد - إله اليهود - تصبح غير منطقية. لكن متى لم يكن الإيمان الديني يغني عن المنطق؟ أليست هذه نقطة قوته؟
إذن يفوق حاليا أتباع المسيحية أتباع أي ديانة أخرى؛ فيوجد أكثر من مليار روماني كاثوليكي وما يقرب من 350 مليون بروتستانتي (80 مليونا منهم إنجيليون) موزعين في جميع أنحاء العالم. •••
يشترك الدين الإسلامي في كثير من معتقداته مع اليهودية والمسيحية؛ أحدها أن الإله فيها (الله) هو نفسه، وأن أبراهام (إبراهيم) هو أبو العرب تماما كما هو أبو اليهود. وكلمة «إسلام» تعني في الأساس «الاستسلام» (إلى الله)، و«المسلم» هو الشخص المستسلم. أسس هذا الدين النبي محمد في نحو عام 610 ميلاديا في مكة في شبه الجزيرة العربية، وهي المدينة التي ولد فيها. بدأ محمد حياته في التجارة، وتزوج من أرملة غنية. وعندما كان في سن الأربعين في أثناء نومه في سلام في غار حراء بالقرب من مكة، زاره الملك جبريل؛ ومن خلاله تلقى بعثته النبوية والتعاليم الأساسية للقرآن، الذي أصبح فيما بعد الكتاب المقدس للإسلام. وطوال السنوات الاثنتي عشرة التالية تقريبا مارس النبي محمد الشعائر الدينية في مكة، وبدأ الناس من حوله يعتنقون الدين الجديد الذي يوحي إليه به الله، عبر الملك جبريل. إلا أن أهل مكة الوثنيين كانوا يعارضون بشدة تعاليم محمد، وفي عام 622 أصبح هو وأتباعه في خطر شديد، فقرروا الارتحال إلى المدينة حيث وجدوا الأمان. وقد خلدت ذكرى هذه الرحلة - الهجرة - حقيقة أن التقويم الإسلامي يبدأ من هذا الوقت (1 هجريا/622 ميلاديا/4382 من التقويم اليهودي).
طوال حياته كان محمد أكثر من مجرد زعيم ديني؛ فكان يقود الجيش، ويجمع الضرائب، ويؤدي كافة أدوار الحاكم الدنيوي. ويعتبر هذا فرقا مهما بين الإسلام والمسيحية؛ فبينما قال المسيح: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، لم يكن للتمييز بين دار العبادة والدولة مكان في الإسلام؛ فكلاهما كان واحدا. ويفسر هذا سبب اعتبار الديانة الإسلامية الديانة الرسمية في أكثر من 50 دولة إسلامية. ونظرا لغياب وجود قادة دينيين رسميين - مجرد معلمين - لا يوجد نزاع بين القائد السياسي لأي دولة إسلامية وزعمائها الدينيين. تمثل إيران في العصر الحالي حالة استثنائية في إعطائها للأئمة مكانة تشبه كثيرا مكانة الأسقف المسيحي أو الكاردينال؛ فطالما أن آراءهم تتوافق مع رأي رئيس الدولة، لا توجد مشكلة. لكن ثمة اختلاف آخر، أقل وضوحا، بين تعاليم الإسلام وتعاليم المسيحية واليهودية، أو أي ديانة أخرى أيضا؛ فالقرآن يحث أتباعه على «فعل الخير والنهي عن الشر»؛ ليس تجنب فعل الشر فحسب، وإنما النهي عنه؛ ولهذا السبب يعتبر كثير من المسلمين في العصر الحالي من واجبهم الديني ممارسة أفعال مثل إدانة الكاتب سلمان رشدي بسبب روايته المثيرة للجدل «آيات شيطانية».
يقر القرآن أن محمدا من نسل إبراهيم، وتحاكي عقيدته كثيرا من الوصايا العشر التي أوحيت إلى موسى. وتتمثل الواجبات الخمسة على المسلم المؤمن في «الشهادة» و «الصلاة» و«الزكاة» و«الصوم» و«الحج».
21
وتعتبر «الشهادة» الأهم على الإطلاق، وهي التصديق بالله؛ «لا إله إلا الله». تقال هذه الكلمات في أذن الطفل حديث الولادة، وتكرر يوميا (بما في ذلك نداء المؤذن للصلاة)، ويقولها المرء عند وفاته. أما «الصلاة» فتمثل أوقات شعيرة الصلاة؛ وهي عند بزوغ أول ضوء، وبعد منتصف النهار مباشرة، وبين الساعة الثالثة والخامسة عصرا، وعند آخر ضوء، وفي وقت ما في أثناء ساعات الليل. أما «الزكاة» فهي إعطاء صدقات للفقراء. ويعبر «الصوم» عن الامتناع عن الطعام في أثناء شهر رمضان. أما «الحج» فهو الذهاب إلى مكة، ويجب أن يحاول كل مسلم مؤمن فعله على الأقل مرة واحدة في حياته. ومن مكة عليه الذهاب إلى «المدينة»؛ إحياء لذكرى هجرة النبي محمد في عام 622.
أقام أتباع محمد من العرب وخلفائهم - السلاجقة والعثمانيين الذين أسسوا الإمبراطورية العثمانية - مجتمعا مستنيرا ظل لألف سنة، وامتد عبر ثلاث قارات. ظلت هذه الثقافة حية وأثرت التراث اليوناني الروماني عندما كانت بقية أوروبا في حالة من الاضطراب والانحدار. لماذا؟ لأن الدين الإسلامي ليس دينا قاصرا؛ فاليهود والمسيحيون، مثل المسلمين، أحفاد إبراهيم. كما يعترف بموسى والمسيح على أنهم أنبياء الله ورسله تماما مثل محمد (فكان خطؤهم الوحيد تحريف رسالتهم الأصلية). ومع توسع المجتمع الإسلامي، أعطى لليهود والمسيحيين اختيار اعتناق دينهم؛ وإن اختاروا عدم فعل هذا، فكانوا لا يتعرضون للاضطهاد - هذا تماما على عكس الممارسة المسيحية منذ القرن الثالث عشر فصاعدا - فكان الفيلسوف والعالم والطبيب موسى بن ميمون، الذي كان يهوديا قرر التحول إلى الدين الجديد، شخصية موقرة في القرن الثاني عشر في قرطبة والقاهرة. لا يظهر التعصب في تعاليم القرآن (تماما مثلما لا يظهر في تعاليم الإنجيل). فمن خلال احترام الأديان الأخرى ازدهر الفن والطب والرياضيات وعلم الفلك في الإسلام، بينما ظلت راقدة في العالم المسيحي.
نامعلوم صفحہ