جوہر انسانیت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
اصناف
أتخيل الآن في ذهني مجموعة من أسلافنا القدامى يسيرون منتصبين على طول منطقة أولدوفاي جورج في شمال تنزانيا بحثا عن الطعام، وأرشميدس في سرقوسة يفكر في طريقة لقياس الكميات التقريبية للذهب والفضة في تاج الملك هيرون، وكريستوفر كولومبوس وهو يقف في مقدمة السفينة سانتا ماريا يحدق في الأفق الغربي باحثا عن الأرض، وكلود مونيه في حديقته في قرية جيفرني وهو يحاول تصوير ضوء الشمس وهو يسقط على زنابق الماء، وأدولف هتلر وهاينريش هلمر في مستشارية الرايخ يبحثان عن أسرع الطرق لإبادة شعب بأكمله، والأم تيريزا في أحياء كلكتا الفقيرة وهي تحاول الاعتناء بالمحتضرين من الجوع وجعلهم يموتون بكرامة، ومجموعة من العلماء ذوي المعاطف البيضاء في مختبرهم يحاولون إدخال جين مقاوم للبرودة داخل نبتة الطماطم. أعرف أن هؤلاء جميعا ما هم إلا بشر، لكني أعلم أيضا أن هذا كله ما هو إلا تعبير عن صفة أساسية في المادة الحية؛ القدرة على البحث. منذ بداية تأليفي لهذا الكتاب، اكتشف تسلسل الجينوم البشري، وما زال أمامنا وقت طويل حتى تتضح وظيفة كافة البروتينات التي تحددها جيناتنا، والإشارات الداخلية المعقدة التي تنتقل بينها، لكن إذا اعتقدت، مثلي تماما، أن مثل هذه التفاعلات الجزيئية هي أساس سلوكنا المعقد، ورغبتنا القوية في السعي، فإنك ستنضم إلي في رحلة مدتها 3 مليارات ونصف مليار سنة سأحاول استعراضها في أقل من 400 صفحة.
هوامش
الجزء
التطور: الأساس الجيني للسعي
الفصل الثاني
الوحدة والتنوع في الكائنات الحية
(1) الأساس الجزيئي للحياة
تتألف الحياة كلها، وفي الواقع الكون بأكمله، من جزيئات؛ جزيئات الهيدروجين والهيليوم الموجودة في الشمس والنجوم الأخرى، وجزيئات الماء في الأنهار والمحيطات الموجودة على سطح كوكبنا، وجزيئات سيليكات الألومنيوم الموجودة في قشرته الخارجية، وجزيئات النيتروجين والأكسجين الموجودة في غلافه الجوي، وجزيئات الحمض النووي (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه)، والحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه))، والبروتين والكربوهيدرات والدهون الموجودة داخل كل كائن حي يعيش على سطحه. تسمى المجموعة الأخيرة من الجزيئات أحيانا الجزيئات العضوية؛ تمييزا لها عن الجزيئات غير الحية وغير العضوية التي تتكون منها الصخور والرمال والبحار والهواء، ولا تزيد الجراثيم والنباتات والحيوانات عن كونها مجموعة من الجزيئات العضوية مع بعض الأملاح والماء.
تتسم الجزيئات بأنها متناهية الصغر؛ فجزيئات مثل الماء أو الأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون تقل في حجمها بأكثر من مليار مرة عن حجم رأس الدبوس، والكربوهيدرات مثل الجلوكوز، والدهون مثل الكوليسترول أكبر منها بعشر مرات، والبروتينات والكربوهيدرات مثل النشاء أكبر منها بمائة مرة، والدي إن إيه، الذي يعتبر أكبر جزيء في المادة الحية، أكبر منها بمليون مرة (لكن يظل من المستحيل رؤيته إلا باستخدام مجهر إلكتروني).
نظرا لأن الكائنات الحية لا تتكون إلا من الجزيئات، فمن البديهي وجود أعداد كبيرة للغاية منها في أي جرثومة أو نبات أو حيوان؛ نحو ألف مليون مليون مليون مليون (10
نامعلوم صفحہ