يخدع المرء ويمنيه الأباطيل وعلى هذا فسر الآية جمهور المفسرين وقال النبي صلى الله عليه وسلم لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ثم تلا هذه الآية فلت وأسند أبو بكر بن الخطيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما سكن حب الدنيا قلب عبد قط إلا إلتاط منها بخصال ثلاث أمل لا يبلغ منتهاه وفقر لا يدرك غناه وشغل لا ينفك عناه انتهى وقوله تعالى لتبلون في أموالكم وأنفسكم الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمعنى لتختبرن ولتمتحنن في أموالكم بالمصائب والأرزاء وبالإنفاق في سبيل الله وفي سائر تكاليف الشرع والإبتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحبة قال الفخر قال الواحدي اللام في لتبلون لام قسم انتهى وقوله ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب الآية قال عكرمة وغيره السبب في نزولها أقوال فنحاص وقال الزهري وغيره نزلت بسبب كعب بن الأشرف حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله والأذى أسم جامع في معنى الضرر وهو هنا يشمل أقوالهم فيما يخص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من سب وأقوالهم في جهة الله سبحانه وأنبيائه وندب سبحانه إلى الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور أي من أشدها وأحسنها والعزم إمضاء الأمر المروي المنقح وليس ركوب الرأي دون رؤية عزما وقوله سبحانه وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب الآية توبيخ لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم ثم هو مع ذلك خبر عام لهم ولغيرهم قال جمهور من العلماء الآية عامة في كل من علمه الله علما وعلماء هذه الأمة داخلون في هذا الميثاق وقد قال صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه الجمه الله بلجام من نار والضمير في لتبيننه ولا تكتمونه عائد على الكتاب والنبذ الطرح وأظهر الأقوال في هذه الآية أنها نزلت في اليهود وهم المعنيون ثم كل كاتم من هذه الأمة يأخذ بحظه من هذه المذمة وقوله سبحانه لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا الآية ذهب جماعة إلى أن الآية في المنافقين وقالت جماعة كبيرة إنما نزلت في أهل الكتاب أحبار اليهود قال سعيد بن جبير الآية في الهيود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوءة والكتاب فهم يقولون نحن على طريقهم ويحبون أن يحمدوا بذلك وهم ليسوا على طريقهم وقراءة سعيد بن جبير بما أوتوا بمعنى أعطوا بضم الهمزة والطاء وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال والمفازة مفعلة من فاز يفوز إذا نجا وباقي الآية بين ثم دل سبحانه على مواضع النظر والعبرة فقال إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار أي تعاقب الليل والنهار إذ جعلهما سبحانه خلفة ويدخل تحت اختلافهما قصر أحدهما وطول الآخر وبالعكس واختلافهما بالنور والظلام والآيات العلامات الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته سبحانه قال الفخر وأعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الإشتغال بالخلق والإستغراق في معرفة الحق فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إثارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء والجلال وذكر الأدعية فختم بهذه الآيات بنحو ما فى سورة البقرة انتهى وقوله سبحانه الذين يذكرون الله قياما وقعودا الذين في موضع خفض صفة لأولى الألباب وهذا وصف ظاهره استعمال التحميد والتهليل والتكبير ونحوه من ذكر الله وأن يحضر القلب اللسان وذلك من أعظم وجوه العبادات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة وابن آدم متنقل في هذه الثلاث الهيئات لا يخلو في غالب أمره منها فكأنها تحصر زمنه وكذلك جرت عائشة رضي الله عنها إلى حصر الزمن في قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه قلت خرجه أبو داود فدخل في ذلك كونه على الخلاء وغيره وذهب جماعة إلى أن قوله تعالى الذين يذكرون الله إنما هو عبارة عن الصلاة أي لا يضيعونها ففي حال العذر يصلونها قعودا وعلى جنوبهم ثم عطف على هذه العبادة التي هي ذكر الله باللسان أو الصلاة فرضها وندبها بعبادة أخرى عظيمة وهي الفكرة في قدرة الله تعالى ومخلوقاته والعبر التي بث ... وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد ...
صفحہ 340