دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض الآية ولو دعوت علينا لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطىء ظهرك وادمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فأنهم لا يعلمون اه قال الطبري وغيره من المفسرين أو يتوب عطف على يكبتهم والمعنى أو يتوب عليهم فيسلمون أو يعذبهم إن تمادوا على كفرهم فإنهم ظالمون ثم أكد سبحانه معنى قوله ليس لك من الأمر شيء بذكر الحجة الساطعة في ذلك وهي ملكه الأشياء فقال سبحانه وله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم أي فله سبحانه أن يفعل بحق ملكه ما يشاء لا اعتراض عليه ولا معقب لحمكه وذكر سبحانه أن الغفران أو التعذيب إنما هو بمشيئته وبحسب السابق في علمه ثم رجى سبحانه في آخر ذلك تأنيسا للنفوس وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة الآية قال ع هذا النهي عن أكل الربا اعترض أثناء قصمة أحد ولا أحفظ سببا في ذلك مرويا ومعناه الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وقوله تعالى اعدت للكفارين أي أنهم المقصود والمراد الأول وقد يدخلها سواهم من العصاة هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية وحكى الماوردي وغيره عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة لا بنار العصاة وقوله سبحانه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون قال محمد بن إسحاق هذه الآية من قوله تعالى وأيطعوا الله هي ابتداء المعاتبة في أمر احد وانهزام من فر وزوال الرماة عن مراكزهم وقوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض قرأ نافع وابن عامر سارعوا بغير واو وكذلك هي في مصاحب أهل المدينة والشام وقرأ باقي السبعة بالواو والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره فبينهم في ذلك مفاعلة إلا ترى إلى قوله تعالى فاستبقوا الخيرات والمعنى سارعوا بالطاعة والتقوى والتقرب إلى ربكم إلى حال يغفر الله لكم فيها قلت وحق على من فهم كلام ربه أن يبادر ويسارع إلى ما ندبه إليه ربه وأن لا يتهاون بترك الفضائل الواردة في الشرع قال النووي رحمه الله أعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه جملة بل يأتي بما تيسر منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم اه من الحلية وقوله سبحانه وجنة عرضها السموات والأرض أي كعرض السماوات والأرض قال ابن عباس في تفسير الآية تقرن السموات والأرضون بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب فذلك عرض الجنة ولا يعلم طولها إلا الله سبحانه وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بين المصراعين من أبواب الجنةمسيرة أربعين سنة وسيأتي عليها يوم يزدحم الناس فيها كما تزدحم الإبل إذا وردت خمصا ظماء وفي الصحيح أن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها فهذا كله يقوي قول ابن عباس وهو قول الجمهور أن الجنةأكبر من هذه المخلوقات المذكورة وهي ممتدة على السماء حيث شاء الله تعالى وذلك لا ينكر فإن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد القيت في فلاة من الأرض قال ع فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض وقدرة الله أعظم من ذلك كله قلت قال الفخر وفي الآية وجه ثان أن الجنة التي عرضها مثل عرض السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان يرغب فيما يكون ملكا له فلا بد أن تصير الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا اه وقدرة الله تعالى أوسع وفضله أعظم وفي صحيح مسلم والترمذي من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في سؤال موسى ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة وأنه رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت أي رب فيقال له لك ذلك ومثله معه مثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت أي رب فيقال له لك ذلك وعشرة أمثاله فيقول رضيت أي رب فيقال له فإن لك مع هذا ما أشتهت نفسك ولذت عينك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي البخاري من طريق ابن مسعود رضي الله عنه أن آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه أدخل الجنة فيقول رب الجنة ملأى فيقول له أن لك مثل الدنيا عشر مرات وفي جامع الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية الحديث قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث من غير وجه مرفوعا وموقوفا وفي الصحيح ما معناه إذا دخل أهل الجنة الجنة تبقى فيها فضلة فينشيء الله لها خلقا أو كما قال قال ع وخص العرض بالذكر لأنه يدل متى ما ذكر على الطول والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض بل قد يكون الطويل يسير العرض كالخيط ونحوه ثم وصف تعالى المتقين الذين أعدت لهم الجنة بقوله الذين ينفقون في السراء والضراء وهما اليسر والعسر قاله ابن عباس إذ الأغلب أن مع اليسر النشاط وسرور النفس ومع العسر الكراهية وضر النفس وكظم الغيظ رده في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته ومنعه كظم له والكظام السير الذي يشد به فم الزق والغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب وليس تحرير الأمر كذلك بل الغيظ حال للنفس لا تظهر على الجوراح والغضب حال لها تظهر في الجوارح وفعل ما ولا بد ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله سبحانه إذ هو عبارة عن افعاله في المغضوب عليهم ولا يسند إليه تعالى الغيظ ووردت في كظم الغيظ وملك النفس عند الغضب أحاديث وذلك من أعظم العبادات وجهاد النفس ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا إلى غير ذلك من الأحاديث قلت وروى أبو داود والترمذي عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء قال أبو عيسى هذا حديث حسن اه وفي رواية أخرى لابي داود ملأة الله أمنا وإيمانا ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه قال بشر احسبه قال تواضعا كساه الله حلة الكرامة وحدث الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره اه من صفوة التصوف والعفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير ثم قال سحبانه والله يحب المحسنين فعلم أنواع البر وظاهر الآية أنها مدح بفعل المندوب وقوله سبحانه والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله الآية ذكر سبحانه في هذه الآية صنفا هو دون الصنف الأول فألحقهم بهم برحمته ومنه وهم التوابون وروي في سبب نزول هاتين الآيتيتن أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا يا رسول الله كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا حين كان المذنب منهم يصبح وعقوبته مكتوبة على باب داره فأنزل الله هذه الآية توسعة ورحمة وعوضا من ذلك الفعل ببني إسرائيل وروي أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية والفاحشة لفظ يعم جميع المعاصي وقد كثر إستعماله في الزنا حتى فسر السدي الفاحشة هنا بالزنا وقال قوم الفاحشة هنا إشارة إلى الكبائر وظلم النفس إشارة إلى الصغائر واستغفروا معناه طلبوا الغفران قال النووي وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد عن عبد الله بن بسر بضم الباء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته اسغفارا كثيرا اه من الحلية وذكروا الله معناه بالخوف من عقابه والحياء منه إذ هو المنعم المتطول ثم اعترض اثناء الكلام قوله تعالى ومن يغفر الذنوب إلا الله اعتراضا موقفا للنفس داعيا إلى الله مرجيا في عفوه إذا رجع إليه وجاء اسم الله مرفوعا بعد الإستثناء والكلام موجب حملا على المعنى إذ هو بمعنى وما يغفر الذنوب إلا الله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله إلى آخر الآية رواه أبو داود والترمذي والنساءي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن اه من السلاح وقوله سبحانه ولم يصروا الإصرار هو المقام على الذنب واعتقاد العودة إليه وقوله وهم يعلمون قال السدي معناه وهم يعلمون أنهم قد اذنبوا وقال ابن إسحاق معناه وهم يعلمون بما حرمت عليهم وقيل وهم يعلمون أن باب التوبة مفتوح وقيل وهم يعلمون أنى اعاقب على الإصرار ثم شرك سبحانه الطائفتين المذكورتين في قوله أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم الآية قال ص قوله ونعم المخصوص بالمدح محذوف أي المغفرة والجنة وقوله سبحانه قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض الآية الخطاب للمؤمنين والمعنى لا يذهب بكم إن ظهر الكفار المكذبون عليكم بأحد فإن العاقبة للمتقين وقديما ما أدال الله المذكبين على المؤمنين ولكن انظرو كيف هلك المذكبون بعد ذلك فكذلك تكون عاقبة هؤلاء وقال النقاش الخطاب بقد خلت للكفار قال ع وذلك قلق وخلت معناه مضت والسنن الطرائق وقال ابن زيد سنن معناه أمثال وهذا تفسير لا يخص اللفظة وقوله فانظروا هو عند الجمهور من نظر العين وقال قوم هوبالفكر وقوله تعالى هذا بيان للناس يريد به القرآن قاله الحسن وغيره وقال جماعة الإشارة بهذا إلى قوله تعالى قد خلت من قبلكم سنن وقال الفخر يعني بقوله هذا بيان ما تقدم من أمره سبحانه ونهيه ووعده ووعيده وذكره لأنواع البينات والآيات أه ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن وهو الضعف وانسهم بأنهم الأعلون أصحاب العاقبة ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه إذا كان محقا وإنما يحسن اللين في السلم والرضى ومنه قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن هين لين وقوله سبحانه وأنتم الأعلون اخبار بعلو كلمة الإسلام هذا قول الجمهور وهو ظاهر اللفظ قال ص وأنتم الأعلون في موضع نصب على الحال وقوله سبحانه إن كنتم مؤمنين المقصد هز النفوس وإقامتها ويترتب من ذلك الطعن على من نجم في ذلك اليوم نفاقه أو اضطرب يقينه أي لا يتحصل الوعد إلا بالإيمان فالزموه ثم قال تعالى تسلية للمؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله والأسوة مسلاة للبشر ومنه قول الخنساء ... ولولا كثرة الباكين حولي ... على أخوانهم لقتلت نفسي ...
صفحہ 314