قال القاضي ابن الطيب هذا بالإضافة إلى ما يصير إليه كل واحد منهما في الآخرة وقيل المعنى أنها سجن المؤمن لأنها موضع تعبه في الطاعة وقوله تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله قال جابر بن عبد الله وغيره هذه الآية نزلت بسبب أصحمة النجاشي سلطان الحبشة آمن بالله وبمحمد عليه السلام واصحمة تفسيره بالعربية عطية قاله سفيان وغيره وقال قوم نزلت في عبد الله بن سلام وقال ابن زيد ومجاهد نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب وقوله سبحانه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم مكاسب الدنيا على آخرتهم وعلى آيات الله سبحانه ثم ختم الله سبحانه السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة فحض سبحانه على الصبر على الطاعات وعن الشهوات وأمر بالمصابرة فقيل معناه مصابرة الأعداء قاله زيد بن أسلم وقيل معناه مصابرة وعد الله في النصر قاله محمد بن كعب القرظي أي لا تسأموا وانتظروا الفرج وقد قال صلى الله عليه وسلم انتظار الفرج بالصبر عبادة قال الفخر والمصابرة عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بين الإنسان وبين الغير انتهى وقوله ورابطوا معناه عند الجمهور رابطوا أعداءكم الخيل أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم قلت وروى مسلم في صحيحه عن سلمان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان وخرج الترمذي عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وخرجه أبو داود بمعناه وقال ويؤمن من فتاني القبر وخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات مرابطا في سبيل الله أجرى الله عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ويبعثه الله آمنا من الفزع وروي مسلم والبخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها انتهى وجاء في فضل الرباط أحاديث كثيرة يطول ذكرها قال صاحب التذكرة وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرباط في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا أراه قال من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها الحديث ذكره القرطبي مسندا انتهى والرباط هو الملازمة في سبيل الله أصلها من ربط الخيل ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا فارسا كان أو راجلا واللفظة مأخوذة من الربط قلت قال الشيخ زين الدين العراقي في اختصاره لغريب القرآن لأبي حيان معنى رابطوا دوموا واثبتوا ومتى ذكرت العراقي فمرادى هذا الشيخ انتهى وروى ابن المبارك في رقائقه أن هذه الآية اصبروا وصابروا ورابطوا إنما نزلت في انتظار الصلاة خلف الصلاة قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن قال ولم يكن يومئذ عدو يرابط فيه انتهى وقوله سبحانه لعلكم تفلحون ترج في حق البشر والحمد لله حق حمده
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النساء مدنية
إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح وهي ان الله يأمركم أن تؤدوا الآمانات إلى
صفحہ 345