99

جواهر التفسير

جواهر التفسير

اصناف

أما الأولون فقد احتجوا بالمعقول والمنقول:

أما المعقول؛ فهو أن الله سبحانه تعبدنا بأعمال منها ما نعرف حكمته، ومنها ما لا نعرف، فالصلاة والزكاة والصوم كلها عبادات ذات أثر واضح، ومنفعة بينة في حياة العابد الشخصية والاجتماعية، فإن الصلاة بما فيها من تذكير بالله وقدرته وسلطانه ومنته وإحسانه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تسد بها حاجات الفقراء، وتنتزع من قلوبهم كراهة الأغنياء مع أثرها الطيب في نفس المزكي، عندما تطهرها من رجس شهوة المال، فمنفعتها عائدة على الجانبين، والصوم وسيلة للحد من طغيان الشهوة، وكسر شوكتها، ورد جماحها، مع ما فيه من تذكير الأغنياء بآلام البؤساء الجائعين.

وبجانب هذه العبادات ذات المنافع المعقولة، والحكم الواضحة، ثم عبادات أخرى لا سبيل لنا إلى استظهار حكمتها، كرمي الجمرات، والسعي بين الصفا والمروة، والرمل والاضطباع، وكما كان لائقا بحكمة الله أن يأمر عباده بالنوع الأول يليق بحكمته كذلك الأمر بالنوع الثاني من غير خلاف، وقد يكون الامتثال في هذا النوع أدل على الاذعان والطاعة، لأن فاعله لا يدرك له حكمة، ولا يلمس منه منفعة عاجلة، بخلاف النوع الأول، إذ ليس من المستحيل أن يكون إتيانه لمعرفته بمنفعته، وإذا جاز ذلك في التعبد العملي، فلم لا يجوز في التعبد القولي؟ وهو أن يأمرنا الله أن نعبده تارة بما نفهم معناه من الكلام، وتارة بما لا نفهم، ليتجلى الانقياد والتسليم من المأمور للآمر، هذا بجانب كون غموض المعنى من اللفظ داعيا إلى الالتفات إليه، والتعلق به، والتفكر فيه خصوصا عند ما يعلم أنه صادر من أحكم الحاكمين ، وهذا التعلق باللفظ هو في حقيقته تعلق بالله عز وجل، الذي أنزله بعلمه، وذلك هو عين الذكر وروح العبادة.

وأما المنقول؛ فهو دلالة القرآن نفسه على انقسامه إلى محكم ومتشابه، وجاء فيه عن المتشابه

وما يعلم تأويله إلا الله

[آل عمران: 7] والوقف هنا ضروري لأسباب؛

أحدها: أنه لو عطف الراسخون في العلم على اسم الجلالة للزم إما انقطاع { آمنا به } عما قبله، وهو غير جائز لعدم إفادته، وإما رجوعه إلى المعطوف والمعطوف عليه، فيترتب عليه أن يكون الحق تعالى قائلا: { آمنا به كل من عند ربنا } واعتقاد ذلك عين الكفر ورأس الضلال.

ثانيها: ان مدح الراسخين في العلم بإيمانهم به دليل على أنه يختلف عن المحكم الذي فهموه، ولو كانا سواء في فهمهم لما كان لهذا التخصيص معنى.

ثالثها: نسبة الزيغ إلى الذين يريدون تأويله ولو كان كالمحكم لكان طلب معرفته موجبا للمدح لا للذم.

وعزز هؤلاء رأيهم بأنه مروي عن أجلة الصحابة - رضوان الله عليهم - منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وابن عباس، وهو قول جماعة من أعلام الأمة كالشعبي، وسفيان الثوري، والربيع بن خيثم، وكثير من المحدثين.

نامعلوم صفحہ