96

جواهر التفسير

جواهر التفسير

اصناف

وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون

[فصلت: 26] ولو سلم أنها نزلت في قراءة الصلاة، فهي مخصصة بالأحاديث الناصة على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، والخصوص إذا ثبت قدم على العموم ولو كان قرآنا، لأن العام ظني الدلالة - وإن كان قطعي المتن - بخلاف الخصوص، وأما الأحاديث فهي أيضا عمومات محمولة على ما فوق الفاتحة، لوجوب تقديم الخاص على العام، ولا تقوى هذه العمومات على معارضة الخصوصات الصريحة الواضحة، وقد علمت ما في بعض تلك الأحاديث من مطاعن لأئمة الحديث في أسانيدها، فكيف تقوى على معارضة الروايات الصحيحة الصريحة في إيجاب تلاوة الفاتحة على كل مصل؟.

هذا وإذا ثبت الأمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام فإن ذلك لا يتقيد بحال سكوته إذ ليس في تلك الأحاديث ما يدل عليه، وقد اختلفت الشافعية في قراءة الفاتحة، هل تكون عند سكتات الإمام وعند قراءته، قال الشوكاني: وظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام، وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط، لأنه يجوز عند أهل القول الأول فيكون فاعل ذلك آخذا بالإجماع - قال - وأما اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط، أو حال قراءته للسورة فقط، فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة، نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب، من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الإستعاذة عن محلها، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أول وآخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة. إنتهى كلامه بتصرف.

ثم ذكر الشوكاني عن بعض الشافعية أنه بالغ، فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة الإمام والمأموم في آية خاصة من آي الفاتحة بطلت صلاته، وذكر عن صاحب البيان من الشافعية، أنه رواه عن بعض أهل الوجوه منهم، قال: وهو من الفساد بمكان يغني عن رده، وللحافظ ابن حجر بحث قيم في هذه المسألة في الفتح، فبعد أن ذكر حديث

" وإذا قرأ فأنصتوا "

أتى باحتمالين في المقصود به:-

أولهما: أن الإنصات المطلوب فيما عدا الفاتحة.

ثانيهما: أن ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت، قال: وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم، لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام، ثم قال: وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء القراءة والترمذي وابن حبان وغيرهما، من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر.. وأورد حديث عبادة الذي ذكرناه، ثم قال: وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود والنسائي ومن حديث أنس عند ابن حبان.

ويمكنك بهذا استظهار رجحان القول بقراءة الفاتحة، ولو في حال قراءة الإمام، وهو الذي عليه العمل عندنا، وذكر صاحب الإيضاح وغيره عن بعض أصحابنا اختيار ما عليه بعض الشافعية من قراءتها في سكتات الإمام.

وتلاوة الفاتحة في الصلاة أو في غيرها يجب أن تكون بحسب ألفاظها المنزلة، فلا تصح ترجمتها إلى أي لغة أخرى، كالفارسية مثلا، لأن ذلك يسلبها قرآنيتها، وذهب أبو حنيفة إلى جواز قراءتها في الصلاة وغيرها باللغة الفارسية، وهو رأي غير سديد، وقد أطال العلماء في الرد عليه، وقد كنت أرغب في بحث هذا الموضوع هنا، ولكني رجحت تأخيره إلى موضعه وهو ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، وأرجو أن أوفق لذلك عندما أصل في التفسير إن شاء الله إلى الآيات التي تنص علي عربية القرآن، وقول أبي حنيفة مهجور عملا إذ لم يعمل به أي أحد حتى من أصحابه الذين يرون رأيه، وبهذا كان الإجماع العملي من الأمة مخالفا لرأيه، وهذا ما يسر الله إملاءه في هذا الجزء المشتمل على مقدمات مهمة في التفسير والإعجاز، بجانب تفسير الفاتحة، أسأل الله أن يتقبله مني، وأن يجزي الخير كل من أعانني عليه، وأن يوفقني لمواصلة العمل الذي بدأته إلى نهايته، إنه سبحانه ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نامعلوم صفحہ