254

فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا المآء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدآئق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم

[عبس: 24 - 32]، وفي طي هذا التذكير تحذير من كفران هذه النعم واستخدامها في غير ما خلقت لأجله.

وقولهم: { إنما نحن مصلحون } رد على نسبة الافساد إليهم، بما يفيد أنهم أبعد ما يكونون عن الحوم حول الفساد أو الإفساد، حيث نسبوا في هذا الرد إلى أنفسهم الإصلاح الذي هو نقيض الإفساد، وأتوا بالجملة الاسمية في مقابل الفعلية التي خوطبوا بها، لتأكيد استمرارهم على منهج الإصلاح، وهذا لأن شأن الجملة الاسمية إفادة الثبوت والدوام، وأكدوا مرادهم بإنما المفيدة للقصر، كل ذلك لدرء ما وجه إليهم من تهمة الإفساد، والتنصل مما رموا به بسبب ما ينكشف منهم من بوادر السوء، ويفيض على ألسنتهم أحيانا من عبارات تكن الحقد والكراهية، وهو معنى ما رواه ابن جرير في تفسير الآية عن مجاهد أن مرادهم بهذه الإجابة أنهم على الهدى مصلحون، وثم أقوال أخرى للمفسرين:

منها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن مرادهم بهذا القول إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب، ومعنى ذلك أنهم يريدون إرضاء الطائفتين، والتقريب بين معتقداتهما، وقيل إن الجواب يتضمن الاعتراض بما اتهموا به من موالاة الكفار وممالأتهم، ولكنهم نفوا عن ذلك صفة الفساد زاعمين أنهم بما يأتون مصلحون، لأنهم يرعون به قرابة ذوي القربى من الكفار المعاندين.

ويتبادر أن أصحاب هذا القول والذي قبله يستندون فيهما إلى ما يوحي به قوله عز وجل:

فكيف إذآ أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جآءوك يحلفون بالله إن أردنآ إلا إحسانا وتوفيقا

[النساء: 62]، ولعل أكثر المفسرين أميل إلى القول الأول، ويعتضد رأيهم بقوله سبحانه:

أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشآء ويهدي من يشآء

[فاطر: 8]، وقوله:

قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا

نامعلوم صفحہ