جواهر التفسير
جواهر التفسير
اصناف
وإذا كان الكذب لا ينشأ إلا عن فساد الفطرة، فإنه لا يجد له مناخا إلا في البيئة التي تسودها الرذيلة وتتقلص منها الفضيلة، وفي مثلها لا يكاد الانسان يثق بمحدث ولا يطمئن إلى حديث، بخلاف بيئة المؤمنين الصالحين، ففيها يطمئن الانسان إلى الحديث ويرتاح إليه، ويثق بمحدثه ويعول عليه.
تعريف الكذب:
وقبل أن أغادر هذا الموضوع أرى من الملائم أن أكمل الفائدة بذكر بعض ما قيل في تعريف الكذب:
فهو عند الجمهور الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، وبناء على هذا الرأي فإن الكذب الملوم عليه هو ما صدر عن قصد ويمكن الخطأ فيه، وهو عند النظام الإخبار عن الشيء بخلاف معتقد القائل فيه، وعند الجاحظ ما خالف الواقع والاعتقاد.
سبب إمهال الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقين:
هذا وقد يتساءل من يسمع قصة المنافقين ومعاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عن السبب في إمهالهم وترك قتلهم مع ظهور أمرهم وانكشاف سرهم بشواهد حالهم، وما كان ينزل فيهم من آيات القرآن شارحا لأحوالهم ومشيرا إلى ما يشخصهم من الصفات؟ وقد أجيب عن هذا التساؤل بأربعة أجوبة:
أولها: أن حالهم لم يكن مكشوفا لعامة الناس، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعرف حقيقة أمرهم، وليس للحاكم أن يقتل بعلمه باتفاق، وإن أجاز له بعض العلماء الحكم بعلمه فيما دون القتل، واعترض هذا الجواب ابن العربي في أحكام القرآن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل الحارث بن سويد بن الصامت لقتله المجذر بن زياد غيلة يوم أحد لأن المجذر قتل أباه سويدا يوم بعاث، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بأمره فقتله به، ورد القرطبي هذا الاعتراض بأن الإجماع إن ثبت لا ينقضه ما ذكر فإن انعقاد الإجماع لا يكون إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي، ولا يبعد أن تكون هذه القضية واقعة حال أو منسوخة بالإجماع.
ثانيها: أن ترك قتلهم لأن الزنديق - وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان - يستتاب ولا يقتل، أجاب به بعض أصحاب الشافعي، ووهنه ابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم إذ لم يرو ذلك أحد عنه، وكان يعرض عنهم ولا يتعرض لهم مع علمه بهم.
ثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم كف عنهم رعاية لمصلحة الأمة والدين، فقد كان يخشى لو تعرض لهم أن ينفر عنه قلوبا هو أحوج إلى تأليفها، وإلى ذلك يشير جوابه صلى الله عليه وسلم لعمر - رضي الله عنه - حيث قال له:
" معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي "
نامعلوم صفحہ