جواهر التفسير
جواهر التفسير
اصناف
وهذا كله لا ينافي ما سبق تفصيله من الأمراض الخلقية الناشئة عن النفاق، فإنها جميعا من جنس الشر والضلالة ولا تتولد إلا في نفس خيمت عليها ظلمات الشك، وقد ح مل ابن جرير تفسير السلف بزيادة الشك على ما يستجد من شكوكهم كلما نزلت آية، واستشهد له بقوله تعالى: { فزادتهم رجسا إلى رجسهم }.
وأما على اعتبار المرض حقيقيا، فإن المراد بزيادته تضاعف همومهم، واكتظاظ صدورهم بالحسد الناشئ عن ظهور المؤمنين وارتفاع أعلام الدين وإقبال الناس عليه، وعلى هذا القول فإن إسناد الزيادة إلى الله حقيقي، لأنه هو الذي هيأ أسباب ظهور المؤمنين، ورفع مكانتهم بين العالمين، وأظهر دينهم على كل دين، فأمرض بذلك قلوب أعدائهم المنافقين.
وإنما قال سبحانه: { فزادهم الله مرضا } ولم يقل " فزاد قلوبهم مرضا " مع قوله من قبل { في قلوبهم مرض } الدال على أن القلوب هي وعاء هذا المرض، لأن مرض القلب مرض سائر الجسد كما يدل عليه حديث
" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله "
، أو لأن القلب من حيث إنه مصدر العواطف ومنبع الوجدان ومرتبط بالجنان كانت إنسانية الانسان لا تتحقق إلا به، فلذلك أعيد الضمير إليهم بدلا من إعادته إلى قلوبهم.
وبعد أن أخبر سبحانه بسوء حالهم في الدنيا بين شر مآلهم في الآخرة بقوله: { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } ، وهو معطوف على قوله { فزادهم الله مرضا } ، وبهذا العطف تكمل فائدة البيان عنهم بما فيه من الاخبار عما ينتظرهم في الدار الآخرة نتيجة ما قدموه في الدنيا، وهل يحصد الانسان إلا ما زرع؟
وقد تقدم معنى العذاب، ووصفه هنا بأنه أليم لأجل تأكيد مدلوله، فإن العذاب لا يكون إلا أليما، ولكن يتفاوت ألمه بتفاوت قدره، والأليم بمعنى المؤلم كالبصير بمعنى المبصر، وزنة فعلهما جميعا أفعل، وذهب الزمخشري إلى أن { أليما } مأخوذ من ألم اللازم لا من آلم المتعدي، فهو فعيل بمعنى فاعل، وحمل وصف العذاب به على نحو تحية بينهم ضرب وجيع، وهذا على طريقة قولهم جد جده، حيث أسند فيه الفعل إلى الجد - وهو مصدر - وحقيقته للجاد فإسناد الألم إلى العذاب وهو للمعذب، وإسناد الوجع إلى الضرب وهو للمضروب، كلاهما من هذا الباب، وتابع الزمخشري على رأيه هذا جماعة من المفسرين كالسيد الجرجاني وأبي السعود والقطب في الهيميان والتيسير.
والرأي الأول أبعد عن تكلف التأويل، على أنه حمل بعضهم (وجيع) في البيت على حقيقته وجعله بمعنى موجع على البناء للفاعل، ومجيء فعيل بمعنى مفعل مشهور في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
أمن ريحانة الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
نامعلوم صفحہ