جواهر التفسير
جواهر التفسير
اصناف
وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظها فهي متحدة المعاني، فإن شأن المنافق أن يكون أسير شكه متخبطا في أوهامه، ولا ريب أن الشك ظلمة تخيم على العقل فتحيط به من جوانبه فلا ينفذ له نور إلى ما وراء المشاهدات المحسوسة، ولا يمتد له شعاع إلى ما خلف التكاليف من أسرار وحكم.
وإذا كانت العرب تطلق اسم المرض على الظلمة الحسية كما في قول الشاعر:
في ليلة مرضت من كل ناحية
فما يحس بها نجم ولا قمر
فإن هذه الظلمة المعنوية التي تتراكم على العقل أجدر بهذا الاطلاق.
وإذا كانت للجسم وظائف لا يتوقف عنها إلا بإلمام المرض الجسدي به؛ فإن توقف العقل عن وظيفته التي هي اكتناه الحقائق، واكتشاف الأسرار من وراء المشاهدات لا ينتج إلا عن إلمام مرض خطير به، وهذا النوع من المرض لا يفقد العقل وظيفته فحسب، بل يجعل وظائف الحواس في حكم المعدوم أيضا لعدم الانتفاع بها، ولذلك يقول الله تعالى في المصابين بهذه الأمراض
لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بهآ أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون
[الأعراف: 179].
ويرى الأستاذ الامام الشيخ محمد عبده أن هذا النوع من المرض واقع فيه جميع أولئك الذين لا يتلقون العقيدة عن نظر وبصيرة، ولكن عن وراثة وتقليد، فإن إيمانهم لا يعدو أن يكون شكليا يجتثه أدنى ما يهب من العواصف، ويزلزله أقل ما يقع من الحركات، لأنه لم يطرق قلوبهم بقوة البرهان ولم يحل مذاقه منهم في الوجدان، فلا تصدر عنه تصرفاتهم في الأعمال لفقده قوة التأثير في نفوسهم.
وذكر أن علاج أمراض هؤلاء هو التمرن على الأعمال الصالحة عن فهم وإخلاص، حتى يحدث لقلوبهم الوجدان الصالح، وهذا لأن أهل اليقين يبعثهم يقينهم على العمل الصالح، وأهل التقليد يلحقهم دؤوبهم على صالحات الأعمال بأرباب اليقين في الانتفاع بإيمانهم، والفريق المعني بهذه الآيات، الموصوف بالكذب والخداع، قد فقد الأمرين معا، ولا صحة للقلوب إلا بهما، فمن فقدهما مرض، ولا يلبث مرضه أن يقتله.
نامعلوم صفحہ