فكذلك نقول: إن أبا جهل قد كان يستدرك وينال بأقل قليل عقله؛ أكثر مما افترض عليه من دينه، وفوق ما يحتاج إليه من الدلائل(1) على معرفة ربه، فقد كان فيما أعطاه الله من أصل الحجة، وثبت فيه من العقل لأداء الفريضة، وفي الاستدلال إن استعمل عقله بالغا بعقله ما كان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بما أعطي من مبتدأ حجة العقل؛ من المعرفة بأداء فرض الله، والوقوف على دين الله، الذي لم يرض من العباد إلا بأدائه.
ولولا أنه قد ساوى بينهم فيما ينالون به معرفة ما افترضه عليهم، وأداء حججه التي احتج بها عليهم؛ ما كانت تجب له عليهم حجة، ولكن الله عز وجل أعطى كلا ما ينالون به أداء حججه، فساوى بينهم في إقامة الحجة عليهم، وإثبات البراهين في صدورهم، بما يبلغون به فرضه، وينالون به معرفته.
فإن كنت أردت هذا المعنى؛ فقد ساوى الله بين الخلق كلهم فيما يكون به بلوغ حجته، وتمام منته، ونهاية أداء فرضه؛ من العقول المركبة في صدورهم، الثابتة في قلوبهم، وأثبت بذلك عليهم كلهم حجته؛ لأن العقول المركبة فيهم من هذه الحجج اللازمة لهم من فعل الله لا من فعلهم، ومن صنع الله عز وجل لا من صنعهم، وتدبيره جل جلاله لا من تدبيرهم.
فمبتدأ ما أعطاهم الله من حججه منه لا منهم.
فلما أن صح أن هذه العقول المركبة في الخلق فعل الله؛ كان فعل الله في ذلك مشتبها، وكان تدبيره في إثبات الحجج عليهم متساويا، فاشتبهت وتساوت حجج الله على خلقه، التي ركبها في صدور عباده؛ بعدله فيهم، وإحسانه إليهم في مبتدأ أمرهم، كما استوت عليهم فروضه، ووجبت عليهم شرائعه، ولزمتهم بها عبادته.
صفحہ 700