فعلى هذا المثال، يخرج معنى ما تقدم منا(1) من المقال، فيما أعطى الله العباد من حجة عقولهم، وساوى بينهم فيما ركب من ذلك في صدورهم، فجعل كل من(2) لزمه عقاب على فعله، أو ثواب على عمله، في حجة العقل سواء، فكل قد ركب فيه ما بأقل قليله ينال به أكثر مما افترض الله عليه، ويستدل به على حاجته منه وفيه، ويميز فيه بين أعماله، ويهتدي به إلى فواضل أفعاله، ويصل به إلى الاختيار في الحالين، والتمييز يبن العملين، وسلوك ما يشاء(3) من النجدين، {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم}[الأنفال42].
فلم يكن لمن أعطي من حجة العقل ما ذكرنا على الله سبحانه حجة في شيء من أموره، ولا سبب من أسبابه، بما فضل به عليه غيره من بعد المساوة فما يحتاج إليه، كما لم يكن لصاحب الشمعة الواحدة على سيده في إحراق ما أمره بإحراقه حجة باعطائه لصاحبه شمعتين؛ إذ المعنى في ذلك واحد في الواحدة والثنتين، والدرك بالجزء الواحد لما أمر به من النار في إحراق الحشيش كالدرك بالجزأين.
فهذا معنى ما عنه سألت، فافهم الجواب في ذلك إن شاء الله، والحمد لله وصلواته على محمد وآله وسلم.
[كيف يأخذ جبريل الوحي عن الله]
وسألت أكرمك الله وحفظك، وأعانك على طاعته ووفقك، فقلت: كيف يأخذ جبريل عليه السلام الوحي عن الله، وكيف يعلمه؟ وكيف السبيل فيه من الله حتى يفهمه؟
واعلم هداك الله أن القول فيه عندنا: كما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه سأل جبريل عن ذلك، فقال: (( أخذه من ملك فوقي، ويأخذه من ملك فوقه، فقال: كيف يأخذه ذلك الملك ويعلمه؟ فقال جبريل: يلقى في قلبه إلقاء، ويلهمه الله إياه إلهاما.
صفحہ 708