من الواضح أن عبارة «تحت هذا السقف» كانت مقتبسة، لكن خالها تظاهر بعدم سماعها.
قال جرانت: «لا يوجد شيء أفضل من ذلك، لكن الوقت قد تأخر، وبما أنني سأعود إلى جارني سيرا على الأقدام، فأعتقد أنه من الأفضل أن أبدأ من الآن. أنا ممتن جدا لكم جميعا على النهاية الجيدة ليومي. ربما يود السيد لو السير معي قليلا في الطريق؟ ما زال الوقت مبكرا، وجيدا جدا.»
قال الشامي: «بالتأكيد»، وسبقه إلى القاعة. اختصر جرانت وداعه لمضيفته بسبب الخوف من اختفاء لامونت، لكنه وجده في القاعة يرتدي بهدوء معطف المطر الذي كان يرتديه صباحا. ثم خرجت الآنسة دينمونت لتنضم إلى خالها، الذي كان يرافقهما خارج المبنى، وكان لدى جرانت خوف مفاجئ من أنها ستعرض عليهما مرافقتهما. ربما كانت الطريقة الحازمة التي أدار بها لامونت ظهره قد أخافتها قليلا. كان من الطبيعي أن يقول: «ألن تأتي معنا أيضا؟»
لكنه لم يقل شيئا. أدار ظهره، رغم أنه كان يعلم أنها هناك. هذا لا يعني سوى أنه لا يريدها، والاقتراح الذي كانت على وشك تقديمه تلاشى على شفتيها. تنفس جرانت مرة أخرى. لم يرغب في إثارة جلبة أمام أنثى هيستيرية، إذا أمكن تجنب ذلك. عند البوابة استدار الرجلان للإعلان عن وجودهما لدى الباب. بينما كان جرانت يرتدي قبعته البالية، رأى تحية لامونت. فقط خلع قبعته وارتداها مرة أخرى، لكن جرانت لم يكن يعرف أن أي إيماءة يمكن أن تكون لائقة للوداع.
صعدا في صمت أول ارتقاء طفيف للطريق حتى أصبحا بعيدين عن المنزل، عند مفترق الطرق حيث اتجه الطريق السريع أعلى التل والمسار المؤدي إلى المزارع الصغيرة المتفرع على طول النهر. توقف جرانت هناك وقال: «أعتقد أنك تعرف ما أريدك من أجله، لامونت؟»
سأل لامونت، وهو يواجهه بهدوء: «ماذا تعني بالضبط؟» «أنا المفتش جرانت من سكوتلانديارد، ولدي مذكرة اعتقال ضدك بتهمة قتل ألبرت سوريل في صف الانتظار بمسرح وفينجتون ليلة الثالث عشر. يجب أن أحذرك من أن أي شيء تقوله يمكن أن يستخدم دليلا ضدك. أريد أن أرى أنه ليس لديك أي شيء. هلا تخرج يديك من جيبيك لحظة وتسمح لي بإلقاء القبض عليك؟»
قال الرجل الهزيل: «لقد ارتكبت خطأ، أيها المفتش. قلت إنني سأتمشى معك قليلا، لكنني لم أقل كم ستكون المسافة. هذا هو المكان الذي سأتوقف فيه.» انطلقت يده اليسرى من جيبه، وضرب جرانت يده، التي توقع أنها تحمل مسدسا، وهي ترتفع، ولكن، حتى عندما غمضت عيناه غريزيا، رأى وتعرف على وعاء الفلفل الأزرق من مائدة الشاي بمنزل القس. كان عاجزا، شبه أعمى، يسعل ويعطس، ولكنه سمع وقع أقدام الرجل الهاربة على مسار المستنقع، وحاول يائسا أن يسيطر على نفسه حتى يتمكن من سماع اتجاه الأصوات التي تولي الأدبار. ولكن مرت دقيقتان على الأقل قبل أن يتمكن من الرؤية جيدا بما يكفي ليتمكن من المتابعة. تذكر ذلك المساء في شارع ستراند، وقرر أن يمنح نفسه الوقت الكافي. لا يمكن لأي رجل، حتى لو كان نحيف البنية مثل الشامي، أن يركض أكثر من وقت محدود. كانت المسافة التي يحتمل أن يكون قد قطعها متوقفة على مدى شعوره بالإنهاك. واستنادا إلى الاتجاه الذي اختاره، فإن الشامي، عندما يصل إلى نقطة الإنهاك هذه، سيكون في بلدة لن تقدم له سوى القليل من وسائل الهروب. وبالطبع، سيكون فطنا بما يكفي ليدرك ذلك. لهذا، فإن الإجراء الأكثر ترجيحا هو أنه سيكرر أسلوب أمسية شارع ستراند: الاختباء، ربما حتى يحل الظلام ويصبح الوضع آمنا للتحرك، والعودة إلى وسيلة أفضل للهروب.
فكر جرانت في أن الرجل الواقف على أرض مرتفعة هو الذي سيتحكم في الموقف. على بعد ياردات قليلة، تدفق مجرى مائي صغير أسفل جانب التل. لم يكن الأخدود الذي صنعه عميقا بما يكفي ليتيح له التغطية واقفا، ولكن إذا انحنى، فإنه يخفي تقدمه أعلى جانب التل من أي شخص على بعد على طول مسار المستنقع. بالتمحيص الدقيق حوله بقدر ما تسمح به عيناه اللتان لا تزالان تتألمان، انطلق نحو أخدود صغير وانحنى، وصعده، متوقفا كل بضع ياردات للتأكد من عدم وجود أي شيء في الأفق وأنه هو نفسه لا يزال متخفيا بشكل جيد. بالأعلى، كان الأخدود تحده أشجار البتولا المتقزمة، وبعد الصعود قليلا كان يمر عبر هضبة صغيرة مزدانة ببضع أشجار البتولا الأكبر حجما. صحيح أن الضباب الأخضر لأشجار البتولا ليس غطاء مثاليا، لكن الهضبة أعطت منظرا ممتازا؛ لذلك قرر جرانت المخاطرة. بحذر، رفع نفسه من الضفة الرملية للجدول إلى العشب الناعم للهضبة، وزحف عبره إلى حافة نبات خلنج كثيف يحيط بمنحدر من عدة أقدام في مواجهة جانب التل. من هذا الموقع الممتاز، كان أمامه عملية المسح الفوري الشامل للوادي، باستثناء لوح عن يمينه، تخبئه إحدى الرقع المستطيلة من الحطب الذي يميز المنطقة. طمأنه مشهد الحطب. فالحطب سيمثل للامونت ما كان عليه الباب على الجانب الآخر من شارع بيدفورد. لم يكن لديه أدنى شك في أن لامونت كان يرقد هناك الآن، بانتظار أن يظهر نفسه على الطريق في مكان ما. الشيء الذي حيره هو ما اعتقده لامونت أنه سيحل محل الحافلات وسيارات الأجرة. ما الأمل الذي كان لديه غير الظلام؟ يجب أن يدرك أنه إذا انتظر حتى حلول الظلام، فسيطلب جرانت المساعدة. بالفعل بدأ الضوء في الاختفاء. هل يجب أن يتخلى عن مخبئه ويطلب المساعدة، أم أن هذا هو أكثر شيء أراده لامونت؟ هل كان سيقدم للامونت أفضلية الآن إذا ترك المراقبة وعاد إلى مطاردته؟ تمنى أن يتخذ قراره؛ أن يتمكن من رؤية لامونت وهو يتحرك. كلما فكر في الأمر أكثر ، تأكد من شعوره بأن لامونت كان يعتمد على عودته لطلب المساعدة. كان من البديهي القيام بذلك. فقد منح لامونت فرصة الذهاب بهدوء، ولم يستغل هذه الفرصة، رغم أن مقاومته كانت تعني الإعلان عن مكانه الحقيقي؛ بالتأكيد، إذن، كان يتوقع أن المفتش لم يعد يهتم بشأن مشاعره أو مشاعر الآخرين، وأنه سيعود لطلب المساعدة لإلقاء القبض عليه. ولما كان الأمر كذلك، سيبقى جرانت في مكانه ويراقب المنطقة.
استلقى هناك مدة طويلة في نبات الخلنج الرطب الذابل، ينظر من خلال السعف المشقوق إلى واد عريض هادئ. بمجرد أن أطلقت مكابح سيارة صرخة مدوية إلى يساره، حيث انحدر الطريق السريع أسفل التل، وبعد ذلك رأى السيارة تعبر الجسر الموجود قبل القرية، ركض مثل عنكبوت أسود صغير على طول الطريق في الجزء الخلفي من فندق كارنينيش هاوس، واختفى في الطريق الساحلي المتجه إلى الشمال. أطلق أحد الخرفان صوت مأمأة بعيدا على التل، وغنى طائر قبرة متأخر عاليا في الهواء، حيث كانت الشمس لا تزال موجودة. لكن لم يتحرك شيء في الوادي سوى النهر، وبدأ الشفق الشمالي البطيء يستقر عليه. ثم تحرك شيء ما. كان بالأسفل بجوار النهر. لا شيء أكثر تحديدا من وميض الماء المفاجئ في النهر نفسه، واختفائه مرة أخرى. لكنه لم يكن النهر؛ شيء ما قد تحرك. انتظر بأنفاس متقطعة، وقلبه، المتكئ على العشب، يحافظ على وحدة إيقاع ضخ الدم في أذنيه. كان عليه أن ينتظر قليلا، ولكن ما رآه كان واضحا هذه المرة. من خلف صخرة ضخمة يبلغ ارتفاعها 12 قدما على ضفاف النهر، انسل طريده للعيان واختفى مرة أخرى أسفل الضفة. انتظر جرانت مرة أخرى بصبر. هل كان سيختبئ هناك، أم أنه سيذهب إلى مكان ما؟ حتى في قلقه كان مدركا لذلك الانغماس المسلي الذي يراقب به الإنسان حيوانا بريا غير واع مشغولا بشئونه - هذا الشعور «المرضي» الذي يشعر به جميع البشر عندما يتجسسون. وبعد قليل، أعلنت حركة لطيفة بعيدة في اتجاه مجرى النهر عن حقيقة أن لامونت لم يكن ثابتا . كان متجها إلى مكان ما. وبالنسبة إلى أحد سكان المدن، كان يؤدي عملا رائعا في الاختباء. ولكن حينها، بالطبع، كان هناك الحرب - فقد نسي جرانت أن لامونت كان كبيرا بما يكفي ليشارك في الخدمة العسكرية. ربما كان على دراية بكل الأشياء المعروفة عن فن الاختباء. لم ير جرانت شيئا في المرة الثانية - لم يدرك سوى الحركة. ربما لم يكن ليرى شيئا لو كانت هناك طريقة للانتقال من تلك الصخرة إلى مأوى بضفة النهر أفضل من الخروج إلى الخلاء. لم يكن هناك أي أثر آخر للحركة، وتذكر جرانت أن الضفة اليسرى للنهر ستوفر مأوى جيدا على طول الطريق تقريبا. حان الوقت ليترك مقعده على المنصة وينزل إلى الساحة. ماذا يمكن أن تكون خطة لامونت؟ إذا تمسك بمساره الحالي، فسيعود إلى منزل القس في غضون ربع ساعة. هل هذا هو المكان الذي كان يتجه إليه؟ هل كان سيستفيد من الرقة التي أثارها من قبل بداخل الآنسة دينمونت؟ خطة جيدة بما فيه الكفاية. إذا كان جرانت قد فعل ما كان يشتبه فيه لامونت، وعاد لطلب المساعدة، فإن آخر مكان سيبحث فيه أي شخص سيكون منزل القس نفسه.
أطلق جرانت السباب، ونزل الأخدود مرة أخرى بالسرعة نفسها التي صعد بها وبقدر ما تسمح به رغبته في البقاء متخفيا. وعاد إلى مسار المستنقع وتردد متسائلا عن أفضل خطة. بينه وبين النهر امتد جزء من المستنقع، به صخور متناثرة بالتأكيد، لكن لا يخبئ أي شيء أكبر من أرنب. لم يتمكن لامونت من الوصول إلى النهر دون أن ينجح في ملاحظته إلا بسبب الحطب البعيد. حسنا، ماذا عن العودة الآن وطلب المساعدة؟ سأل الجزء المشاهد فيه: والقبض على الرجل الذي تخفيه ابنة أخت الكاهن؟ سأل نفسه بغضب: حسنا لم لا؟ إذا أخفته، فهي تستحق كل ما سيحدث لها. حثه نصفه الآخر قائلا: لكن حتى الآن ليست هناك حاجة إلى الإشهار. تأكد من ذهابه إلى منزل القس، ثم اتبعه واعتقله هناك.
نامعلوم صفحہ