كان هذا كل ما أراده جرانت. قال بامتنان: «شكرا لك، ليجارد. عندما تصبح رئيس الفندق، سآتي وأبقى وأحضر نصف الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا.»
ابتسم راءول له ابتسامة عريضة. قال: «قد لا تتحقق أبدا مسألة رئيس الفندق هذه. إنهم يقدمون الكثير في الأفلام، ومن السهل أن يتم تصويرك لتبدو ...» حاول العثور على الكلمة المناسبة. قال: «أنت تعرف!» وفجأة علا وجهه الجميل الذكي تعبير ينم عن الوهن الغبي الذي لم يكن متوقعا لدرجة أن بعضا من طعام جرانت الذي يحتوي على البط والبازلاء الخضراء ذهب في الاتجاه الخطأ. قال: «أعتقد أنني سأجرب ذلك أولا، ثم، عندما أكبر» حرك يديه للإشارة إلى شيء كبير «يمكنني شراء فندق.»
ابتسم جرانت بلطف بينما كان يشاهد هذا الجسد الجميل وهو يشق طريقه عائدا إلى الملاعق وخرق تنظيف أدوات المائدة. كان يعتقد أنه فرنسي نمطي، في إدراكه الفطن للقيمة التجارية لجماله، في روح الدعابة، في انتهازيته. كان من المحزن الاعتقاد بأن السمنة سوف تفسد رشاقته ووسامته. وكان جرانت يأمل في أن يحافظ على روح الدعابة وسط الأنسجة الدهنية. عندما عاد إلى سكوتلانديارد، كان من المقرر أن يحصل على مذكرة لإلقاء القبض على جيرالد لامونت بتهمة قتل ألبرت سوريل، خارج مسرح وفينجتون، مساء الثالث عشر من مارس.
عندما أغلقت سيدة برايتلينج كريسينت الباب خلف المفتش، بقيت مدة طويلة بلا حراك، وعيناها على المشمع المنقوش باللون البني الذي يغطي أرضية الردهة. بلل لسانها شفتيها الرفيعتين بطريقة تأملية. لم تبد منفعلة، لكن كيانها كله بدا مركزا يفكر؛ كان يتردد بداخلها أفكار تشبه ذبذبات المولد الكهربائي. ربما لمدة دقيقتين وقفت هناك بلا حراك تماما، ساكنة كقطعة أثاث، في صمت يتخلله دقات الساعة. ثم استدارت وعادت إلى غرفة الجلوس. نفشت الوسائد التي هبطت بسبب وزن المفتش - لقد اتخذت هي نفسها الاحتياطات الغريزية الكاملة بالجلوس على كرسي صلب - كما لو كان هذا هو أهم شيء في الحياة حاليا. وأخرجت مفرش مائدة أبيض من درج في الخزانة وبدأت في إعداد وجبة، متنقلة ذهابا وإيابا بين غرفة الجلوس والمطبخ بتأن وببطء، واضعة السكاكين والشوكات بشكل متواز تماما بطريقة مضنية كان من الواضح أنها عادة. وقبل أن تنتهي، سمعت صوت خشخشة مفتاح في القفل، ودخلت عاهرة تبلغ من العمر 28 عاما أو نحو ذلك، يعلن عن مهنتها معطفها الرمادي الباهت، ووشاحها البني الباهت، وقبعتها غير العصرية ذات اللون الأخضر الباهت، وأسلوبها المباغت. أزالت حذاءها الواقي في الردهة ودخلت غرفة الجلوس، بملاحظة متكلفة مبهجة عن اليوم الممطر. اتفقت معها السيدة إيفريت وقالت: «كنت أفكر، بما أن اليوم العشاء بارد، فقد لا تمانعين إذا تركته جاهزا وخرجت. أود مقابلة صديق، إذا لم يشكل ذلك فارقا بالنسبة إليك.» طمأنتها الساكنة أن ذلك لن يشكل فارقا على الإطلاق، وشكرتها السيدة إيفريت وذهبت إلى المطبخ. هناك أخذت من موضع حفظ اللحوم لحما بقريا مشويا، وقطعت منه شرائح سميكة، وشرعت في إعداد الشطائر. ولفتها بدقة في ورق أبيض ووضعتها في سلة. ووضعت في السلة بعض النقانق المطبوخة وبعض قطع اللحم على شكل المعين الهندسي، وعلبة من الشوكولاتة. أضافت فحما للنار، وملأت الغلاية، ووضعتها على جانب المدفأة حتى تكون ساخنة عندما تعود، وصعدت إلى الطابق العلوي. في غرفة نومها، تزينت بتأن للخروج إلى الشارع، وأدخلت بعناية خصلات متناثرة من الشعر تحت قبعتها المتصلبة. أخذت مفتاحا من أحد الأدراج وفتحت آخر، وسحبت لفافة من الأوراق النقدية وعدتها، ثم وضعتها في حقيبة يدها. فتحت دفترا مشغولا بالقماش والحرير وكتبت رسالة قصيرة، وغلفتها في مظروف ووضعتها في جيبها. نزلت الطابق السفلي مرة أخرى، وهي ترتدي قفازيها، وأخذت السلة الصغيرة من فوق طاولة المطبخ، وخرجت من الباب الخلفي، وأغلقته خلفها. توجهت إلى الشارع، دون أن تنظر يمينا أو يسارا، ظهرها مستو، وذقنها مرتفع، تمشي بحزم معلنة عن مواطنة ذات ضمير حي. في شارع فولام، انتظرت في محطة للحافلات وأبدت اهتماما عرضيا بالحاضرين برفقتها مثل أي امرأة تعرف الصواب وتحتفظ بأمورها لنفسها. كانت أرثوذكسية تماما لدرجة أنها عندما غادرت الحافلة، لم يكن بإمكان أحد سوى قاطع التذاكر بالحافلة، الذي كانت قوة ملاحظته غريزية بالكامل، أن يقول إنها كانت من الركاب. وفي الحافلة التي نقلتها إلى بريكستون كانت غير واضحة أيضا؛ لم يلاحظها المسافرون المرافقون لها كما لو كانت عصفورا أو عمود إنارة. في وقت ما قبل أن تصل إلى ستريتم هيل نزلت من الحافلة واختفت في المساء الضبابي، ولم يتذكر أحد أنها كانت هناك؛ ولم ينزعج أحد من الحاجة الملحة المكبوتة الهائلة التي خبأها مظهرها الخارجي المستسلم.
سلكت شارعا طويلا حيث كانت مصابيح الشوارع معلقة مثل أقمار ضبابية، ثم آخر يشبهه تماما - واجهات مبان مسطحة، ومصباح ضبابي، وطريق مهجور؛ وتوجهت إلى شارع ثان وشارع ثالث. في منتصف الشارع الأخير استدارت فجأة وسارت عائدة إلى أقرب عمود إنارة. سارعت فتاة من أمامها، متأخرة عن موعد ما، وجاء صبي صغير يخشخش بنسين في راحتيه المضمومتين. لكن لا أحد آخر. تظاهرت بالنظر إلى ساعتها في الضوء ومضت مرة أخرى في الاتجاه الأصلي. إلى يسارها كان هناك صف من المنازل المرتفعة ذات المظهر المهيب التي هجرتها العائلات الاجتماعية ببريكستون، والجص يتقشر من الجدران في شكل رقائق كبيرة، وستائر النوافذ الملونة تعلن وصول ساكن الشقة. لا يمكن رؤية شيء في هذه الساعة من تفاصيل الأشخاص؛ فقط بصيص من الضوء هنا وهناك وشراعات الأبواب المتواترة تخبر عن وجود من يسكن المكان. اختفت في واحدة من هذه، وأغلقت الباب بهدوء خلفها. صعدت مجموعتين من الدرج، مضاءتين بضوء خافت ومتهالكتين، حتى وصلت إلى المجموعة الثالثة، حيث لم يكن هناك ضوء. ألقت نظرة سريعة على الظلام بالأعلى واستمعت. لكن لم يتردد سوى الصرير العابر للخشب القديم في أرجاء المنزل. صعدت ببطء، وهي تتحسس طريقها خطوة بخطوة، ووصلت إلى المنعطف دون أن تتعثر، وتوقفت لاهثة في الجزء العلوي من المنزل في ردهة غير مضاءة . وبثقة من يعرف الطريق، مدت يدها لتحديد مكان الباب غير المرئي، وبعد أن وجدته طرقت برفق. لم يكن هناك رد، ولم ينم أي شعاع ضوء أسفل الباب عن وجود أحد خلفه. لكنها طرقت الباب مرة أخرى وقالت بهدوء، وشفتاها على الشق حيث التقى الباب بالقائم: «جيري! هذا أنا.» بشكل شبه فوري ركل شيء ما بعيدا عن الباب من الداخل، وفتح ليظهر غرفة مضاءة بمصباح، وظل رجل يقف أمام الضوء باسطا ذراعيه أفقيا.
قال الرجل: «ادخلي»، وسحبها بسرعة إلى الداخل وأغلق الباب بالقفل. وضعت سلتها على الطاولة بالقرب من النافذة ذات الستارة واستدارت لتواجهه عندما أتى من الباب.
قال: «ما كان يجب أن تأتي! لماذا فعلت ذلك؟» «جئت لأنه لم يكن هناك وقت للكتابة إليك، وكان علي أن أراك. لقد اكتشفوا هويته. جاء رجل من سكوتلانديارد هذا المساء وأراد أن يعرف كل شيء عنكما. فعلت كل ما بوسعي من أجله. أخبرته بكل ما يريد معرفته، باستثناء مكان وجودك. حتى إنني أعطيته صورا لك وله. لكنه يعلم أنك في لندن، وما هي إلا مسألة وقت إذا بقيت هنا. عليك أن ترحل.» «لماذا أعطيته الصور؟» «حسنا، فكرت في الأمر عندما انصرفت لأتظاهر بالبحث عنها، وعرفت أنني لا أستطيع أن أعود وأن أقول إنني لم أتمكن من العثور عليها وجعله يصدقني. أعني، كنت أخشى ألا أفعل ذلك جيدا بما فيه الكفاية. ثم فكرت حينها، حيث إنهم قد وصلوا إلى هذا الحد في اكتشاف كل شيء عنكما، فإن الصورة لن تحدث فارقا كبيرا بطريقة أو بأخرى.»
قال الرجل: «حقا؟ غدا سيعرف كل شرطي في لندن كيف أبدو بالضبط. الوصف أحد الأشياء التي يعلم الرب كم هو سيئ بما فيه الكفاية - لكن الصورة أمر بغيض جدا. لقد قضى هذا على كل شيء!» «نعم، قد يكون الأمر كذلك إذا كنت ستمكث في لندن. ولكن إذا مكثت في لندن فسيلقى القبض عليك على أي حال. إنها مسألة وقت فقط. عليك أن تغادر لندن الليلة.»
قال بمرارة: «لا أريد شيئا أفضل من ذلك، ولكن كيف وإلى أين؟ إذا غادرت هذا المنزل، فهذا يعني ذهابي مباشرة إلى الشرطة بنسبة كبيرة، وبوجود صورتي، لن يكون من السهل كثيرا إقناعهم أن هذا ليس أنا. لقد عانيت كثيرا في الأسبوع الماضي. يا ألله، يا لي من أحمق! - ومن أجل سبب بسيط جدا. أن أضع حبلا حول عنقي بلا مقابل!»
قالت ببرود: «حسنا، وها قد فعلتها. لا شيء يمكن أن يغير ذلك. ما عليك التفكير فيه الآن هو كيفية الهروب. وبأسرع ما يمكن.» «نعم، لقد قلت ذلك من قبل - ولكن كيف وإلى أين؟» «تناول بعض الطعام وسأخبرك. هل تناولت وجبة مناسبة اليوم؟»
نامعلوم صفحہ