يراه طويلا أسود منتصبا وراءه. لا تفصله عنه إلا خطوة أو خطوتان. تنفرج شفتاه عن نفس عميق. ذراعاه ترتفعان نحوه.
تقبض ذراعاه على اللاشيء، يلامس ظله المرسوم فوق الأرض. كلما اقترب منه يبتعد. - إبليس! تعال! رد علي يا ولد!
الصمت يدب في الكون إلا الصفير الخافت كحفيف الهواء أو صوت الريح من بعيد. أوراق الشجر تهتز بحركة بطيئة. تسقط ورقة فوق الأرض بصوت مسموع. يشرئب عنقه نحوها. يتأملها وهي تطير ثم تهبط شيئا فشيئا، تتدحرج فوق الأرض، ثم تكف عن الحركة كأنما تفقد الروح.
يطرق رأسه. يتدلى أنفه فوق لحيته، ولحيته تتدلى فوق صدره. في أذنيه يمتد الصفير في الظلمة، ملايين الأصوات التي تصنع صمت الليل. يدوي الصمت في أذنيه كهدير الشلالات، يذوب الهدير في كلمة واحدة كصفير الريح. - إبليس؟!
يمسك رأسه بيديه الاثنتين. يرى الشبح إلى جواره ماسكا رأسه بيديه الاثنتين. يهمس بلا صوت، كأنما الصوت يمكن أن يبدده. - تعال! لا تذهب!
صدى صوته يرتد إليه مع حركة الهواء. عيناه تتسعان تحت الضوء. تمتلئان بالماء. - أتتركني وحدي؟ - آه يا ولدي!
ترن كلمة «ولدي» في أذنيه بصوت أبيه وهو يحتضر. يستند بجذعه إلى الشجرة. صدره يعلو ويهبط. أنفاسه تلهث. يلف ذراعيه حول صدره. يتكور حول نفسه جالسا القرفصاء.
يرى الشبح الأسود جالسا إلى جواره متكورا تحت جذع الشجرة. يقرب رأسه منه ويهمس: كنت مالي علي الدنيا يا إبليس.
يرفع عينيه ويحملق في الفراغ من تحت الماء. تنحدر الدمعة الحبيسة من زاوية عينه. يتركها تسقط. لا يمسحها بكم جلبابه. - حقك علي يا ابني! يا ما صحيتك من عز النوم وقلت لك قوم ثم فز وسوس للناس. كتبت ضدك ثلاثة كتب، وصادرت حقك في الكتابة.
يمسح عينيه بكم جلبابه، ويضع رأسه بين ركبتيه.
نامعلوم صفحہ