أفاقت على الارتجاجة. فتحت عينيها ورأت السقف الأجرب المشقق. أمامها امرأة واقفة داخل ثوب أبيض. رأسها ملفوف بطرحة رمادية. فوق صدرها قرص ذهبي يلمع. مرسوم عليه الوجه المربع ومنقار النسر. - زكريا؟ - أنا الرئيسة!
هزت رأسها بحركة إلى الأمام والخلف. علامة النفي، وتقدمت نحوها في يدها الإبرة. مسحت ذراعها بقطعة قطن. رائحة كحول تملأ أنفها. عيناها ثابتتان في عينيها. نظرة مألوفة. طبقة طافية من الحزن، من تحتها نظرة طفلة. - نرجس؟ - أنا الرئيسة!
وهزت رأسها علامة النفي. أمسكت ذراعها لتغرز الإبرة. ضربتها على يدها فطارت الحقنة في الهواء، ثم سقطت فوق البلاط وانكسرت. - مش واخدة الحقنة! - لازم تاخديها! - مش حاخدها!
وضربت بقبضة يدها المنضدة الخشبية فانشقت نصفين، انطلقت الصفارة في فم الرئيسة. طويلة ممدودة كصفير الريح. متقطعة كالنشيج، وظهر التمورجية بمرايلهم البيضاء. ثلاثة أو أربعة. لم يستطيعوا التغلب عليها، حاولوا نقلها إلى غرفة الكهرباء. لم ينتقل جسدها من السرير إلى النقالة ذات العجلات حاولوا أن يرفعوه. أصبح كالأرض لا ينتقل. لا يمكن أن ينفصل عنها أو عن السرير.
وظهر عدد آخر من التمورجية. عشرة أو عشرون أو ثلاثون، لكنها أصبحت هي والسرير والأرض كتلة واحدة، كأنما عادت روحها إلى جسمها، ولا يمكن لأحد أن يفصل روحها عن جسمها.
اتسعت عيون التمورجية وملأها الذعر. صاحوا في نفس واحد: ركبها إبليس!
وانطلقت الصفارة كالصرخة الطويلة الممدودة في الليل.
الذنب
كانت تجري فوق الممر والصفارة بين شفتيها. قدماها داخل الحذاء المطاط، ورأسها ملفوف بالطرحة. القرص الذهبي يهتز فوق نهديها. جسدها يرتج مع الجري.
دخلت غرفتها وأغلقت الباب. أسندت رأسها إلى الباب ووقفت تلهث. سقطت الصفارة من فمها. قبضت عليها بأصابعها وراحت تضغط. يدها الأخرى فوق صدرها، تلامس القرص الذهبي، تزحف تحت الثوب الأبيض، تحت النهد الأيسر، وتحت الضلوع تزحف. هناك تحسه تحت يدها متكورا كالورم، مختفيا وراء جدار القلب، متراكما السنة وراء السنة. ثلاثون سنة.
نامعلوم صفحہ