تغمض عينيها وتنام، ثم تسمع طقطقة السرير. من بين جفونها المغلقة ترى جدتها تتسلل من تحت اللحاف. ينفتح الباب بلا صوت ثم ينغلق.
تكتم أنفاسها وأذناها مرهفتان، من وراء الباب تسمع صوت جدتها، تشهق بصوت متقطع كالضحك المكتوم أو النشيج الطويل، وفي الصباح تراها واقفة خلف النافذة. داخل ثوبها الأسود. له كولة من الخرز اللامع. ساقاها بيضاوان سمينتان داخل جورب أسود شفاف. قدماها صغيرتان داخل حذاء أسود من الجلد اللامع له كعب عال رفيع. بين يديها كتاب الإنجيل تتمتم بصوت هامس. - أبانا الذي في الملكوت اغفر لنا خطايانا.
قبل أن يموت جدها كانت تخلع الحذاء قبل أن تصلي. تمسك بين يديها المصحف لا الإنجيل. منذ تزوجها وهو يعلمها الوضوء وقراءة القرآن، لكنها تسمعها في الليل تردد اسم المسيح. تخفي الإنجيل تحت الوسادة. - هو الإنجيل كتاب ربنا يا نينة؟ - طبعا يا بنت! - يعني ربنا عنده كتابين زي جدي؟ - جدك إيه يا بنت! ربنا فوق الجميع! - فوق الجميع فين يا نينة؟ - في السماوات العليا. - والشيطان يا نينة؟ - نامي يا بنت وكفاية أسئلة!
ترمقها جدتها بعينين حمراوين. هذه البنت شيطانة. منذ ولدت وعيناها مفتوحتان. انزلقت من بطن أمها مفتوحة العينين. كانت الناس تولد بعيون مغلقة وأفواه مفتوحة تصرخ، لكنها ولدت صامتة مطبقة الشفتين. شهقت جدتها وبصقت في فتحة ثوبها عند العنق: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
ثم جعلت أمها تغتسل من الدم والإثم. كانت الولادة في إنجيل جدتها ذنبا لا يغفره الله، إلا بالأسى والألم، وفي الليل ترى أمها واقفة خلف النافذة. عيناها مليئتان بالأسى والألم. ترفع يدها نحو نجمة الصباح. - يا زهرة يا أم العدل والرحمة.
تغني مع أمها بصوت خافت. تضع رأسها فوق صدرها. تهدهدها قبل أن تنام: هووه ... نامي نينا هووووه ... صوت السرير الهزاز كاللحن القديم. يسري في عروقها كالدم. الدقات تحت ضلوعها تتصاعد. تشد جفونها لتنظر في عيني أمها. صافيتان بلون السماء. فوق كل عين دمعة كاللمعة. أمامها ورقة بيضاء تكتب. أصابعها بيضاء ناعمة حول القلم. الحروف سوداء تتحرك فوق السطر. كلمة وراء كلمة. تمتلئ الورقة بالكلمات المكتوبة. الصفحة وراء الصفحة. تشبه الصفحات في الإنجيل أو المصحف، والحروف شكلها واحد.
تتسع عيناها في الظلمة، أيمكن لأمها أن تكتب؟ كانت تظن أن النساء لا يعرفن الكتابة. والرجال لا يكتب منهم أحد إلا جدها وربنا. - نامي يا جنات.
صوت جدتها يقطع عليها أحلامها. كانت تحلم أن تكون مثل أمها تكتب، لكن جدتها قالت إن الله لم يخلق المرأة لتكتب. قرأت عليها من الإنجيل قصة السحلية وحواء. تزحفين على بطنك إلى الأبد ويكون اشتياقك لرجلك وهو يسود عليك.
تخرج جدتها لسانها وهي تنطق بالكلمات. تلهث وهي راقدة فوق السرير النحاسي. الأعمدة الأربعة تهتز بصوت مسموع. قبل أن يموت جدها كانت تخفي الإنجيل في صندوق تحت السرير. الصليب وضعته في كيس من القطيفة الحمراء. تردد وراء جدها وهي جاثية فوق سجادة الصلاة:
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد ... .
نامعلوم صفحہ