والاستعداد للقائه، ونبذ ما كانوا عليه من جاهلية، وإمضاء شرائع الإسلام جملة، تمشيا مع مبدأ السمع والطاعة. قال تعالى: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير * وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ...) . وتوبة المسلمين أنفسهم تكون من الذنوب التى لا يجمل بهم ارتكابها لأنها تنافى مقتضى الإيمان، فإذا أزلهم الشيطان إلى إثم فإن ذلك يحسب عليهم، ليؤاخذوا به وصلتهم بالله لا تحميهم من عدله إذا استحقوا العقوبة. صحيح أن الله أعد النار للكافرين، ولكن المسلمين يدخلونها إذا أسفوا وتهاووا فى الذنوب ولذلك يقول لنا محذرا: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) . فإذا لم يتقوا، ويطيعوا، ويسارعوا... فما بد من أن يلقوا وبال أمرهم. وفى حض المسلمين على التوبة، والبعد عن المعاصى يقول الله عز وجل: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). ويقول: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) . وهذه التوبة تستهدف أن يكون المسلمون عنوانا صحيحا لدينهم، ومجلى لفضائله وآدابه. تدبر قوله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن مرآة المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه ". والجمل الثلاث التى يتكون منها الحديث تبرز مجتمعا متناصحا متعاونا، يعمل المؤمن فيه على تنقية أخيه من العيوب، وعلى ضمان معيشته وصدق حمايته، حاضرا كان أم غائبا. فإذا تمزقت هذه العرى، ورأيت مجتمعا متناقضا تشيع فيه الأثرة والمظالم فأين يكون الإيمان؟. وهل يترك الله أمة تصنع ذلك بنفسها ورسالتها من غير عقوبة؟. والنصوص من الكتاب والسنة متضافرة "على أن ناسا من أهل التوحيد يدخلون النار لعدم وفائهم بحقوقه، ثم يخرجون منها بعد قضاء المدد المحكوم عليهم بها فى هذا السجن اللعين ويلقبون بالجهنميين. 150
عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون فى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل. ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية " . وهذا الحديث وأمثاله كثير فى الصحاح قاطع بأن من أهل الإيمان من يعذب فى النار لسوء عمله... على أن سوء العمل يتفاوت، وللناس عامة موازين تضبط الخير والشر ضبطا دقيقا. فمن كانت حسناته أرجح فهو على رجاء المغفرة: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) . أما من عبث وغش وأفسد، ومرد على الشر، فلن يدخل الجنة بأقذاره النفسية هذه حتى يلتهب فيها عذاب جهنم. ونحن نرى أن المسلم يعذب على ذنوبه لأمرين: أولهما أنه أساء فى خاصة نفسه، فالجزاء المرصد له عدل. والآخر أنه أساء للإسلام نفسه إذا تعاون مع غيره من الرعاع على إظهار الأمة فى صورة تحقر دينها وتصرف الناس عن الثقة فيه والطمأنينة إليه. وهل كفرت أكل م شتى بالإسلام إلا من سلوك هؤلاء؟.
مدارج التوبة:
صفحہ 137