جناقو مسامیر الارض
الجنقو مسامير الأرض
اصناف
قال له الفكي علي: إذا عايز يقابلنا أهلا وسهلا، وإذا ما عايز يقابلنا برضو أهلا وسهلا، نحن عايزين نأكله؟ نحن عايزنه في شغل، امشي قول له الكلام دا يا ود أمونة.
لوى ود أمونة شفتيه في حركة تعني: أمركم، بالإضافة إلى: وأنا مالي، ولكنا فهمنا منها: إنتو ما قدر المكان دا.
وقرأ الفكي ود الزغراد جهرا تعاويذ، وأدعية، وطواطم، بالإضافة إلى سورة قرآنية قصيرة، ولم تقف شفتاه ولسانه عن التمتمة إلى أن جاء ود أمونة، وفي فمه ابتسامة كبيرة جعلت خديه الأملسين يلمعان، وقال: اتفضلوا، سيادة المدير عايزكم.
ومضى قدامنا يحرك ردفيه، ويديه بصورة بناتية غنجة، ولأننا جميعا اعتدنا على ذلك؛ لم يثر انتباه أي منا، عندما دخلنا وجدنا شرطيين لم نرهما في المرة السابقة، ولا ندري كيف دخلا، وهما معروفان بالنسبة لنا جميعا، نعرف اسميهما واسمي أبويهما، وأميهما، وإخوتهما، وجميع أقربائهما، باختصار: الشرطيان من الحلة، تبادلنا التحايا باقتضاب، وبينما هما مندهشان قليلا صعدنا نحو الأعلى إلى مكتب فسيح تفوح منه رائحة النقود، يتقدمنا ود أمونة مزهوا وهو يدندن بأغنية بنات شائعة، رحب بنا مدير البنك مدعيا السعادة برؤيتنا، معتبرا قدومنا إليه طبيعيا، ولكنا كنا نقرأ ما خلف ذلك بوضوح، كان يريد أن يعرف بسرعة ماذا نريد: اتفضلوا، مرحبا، قدمت إليه المجموعة فردا فردا بتمهل، وقفت بعض الشيء عند الفكي علي، مشهود للفكي علي عمايل خير كثيرة، وألمحت إليه تلميحا أن الفكي علي ود الزغراد بإمكانه أن يضر ضررا بالغا بمن شاء، وقتما شاء، وكيفما شاء، تحدثت عن دور البنك كما يفهمه عامة الناس هنا في الحلة، ثم شرحت له الهدف من الزيارة وأشرت إلى دراسة الجدوى التي أعددتها، ابتسم وهو يسرق النظرات إلى الصافية، وهي في ثوبها الجديد ماركة وصتني وصيتا، ربما كانت رئتاه تمتلئان الآن بعطرها الرخيص ماركة بت السودان، قال وهو يحاول أن يكون حاضرا ومركزا: ادوني دراسة الجدوى أقراها وأعرضها على مدير الاستثمار بعد داك أديكم الرأي، وأنا سعيد بزيارتكم للبنك، وأتمنى أنكم تبقوا عملاء لنا دايمين.
قالها بطريقة تعني بوضوح: «والآن اتفضلوا بره!» قالت له الصافية التي يبدو أنها لم تفهم شيئا مما قال، أو أنها الوحيدة التي فهمت: يعني حتدونا سلفية تراكتور ودسك ولا لا؟
قال مبتسما: الموضوع يحتاج لدراسة، وتحليل مخاطر.
تطوع الفكي الزغراد بشرح ما يرمي إليه مدير البنك للصافية، قائلا: يقصد نمشي، ونجيهم مرة تانية عشان يدونا رأيهم.
أضاف أبرهيت بعد أن أعلن عن نفسه بتنظيف حنجرته متنحنحا مرتين: من الأحسن نمشي، اللي في القسمة نلقاه.
لم يقل المدير شيئا، فقط ابتسم وهو يتسلم مني دراسة الجدوى، يقلبها قليلا بصورة آلية، ثم يضعها على صينية الأوراق، ونحن نخرج همس الفكي علي في أذني: أنا لو عرفت اسم أمه، ح أعمل فيه عمايل، ثم أضاف بصوت أكثر وضوحا: ود الحايل، يتنهد زي الزول اللي ما كويس، مرة يقول اعملوا دراسة جدوى، لمان نعملها يقول امشوا، وتعالوا.
كل مهارات الناس في اصطياد الإشاعات، وصنع الأخبار، وتقصي الحقائق فشلت في الحصول على معلومات عن مدير البنك، حتى ود أمونة لم يستطع معرفة اسم أمه، أو برجه، لولا فكرة أبرهيت ليئسوا: ألم قشي. - أيوا، ألم قشي.
نامعلوم صفحہ