جناقو مسامیر الارض
الجنقو مسامير الأرض
اصناف
هو لا يحب الشامة، بالذات: «رائحة في فمها أعفن من البول، رأسها كله قمل، ووساخة، وقالوا كتلت راجلها.»
قالت له الشامة: أمك الليلة طلعوها خدمة في بيت المأمور، أنا ما عارفة المأمور دا عايز منها شنو «ماذا»، ما عايز يخليها في حالها. «ما حأغسل الصحانة.»
هكذا قال ود أمونة مصدرا أمرا لنفسه، وهو يتخيل نفسه يصرخ في وجه السجان الطباخ النحيف، صاحب الأصابع الطويلة، واليدين الممسكتين دائما بالكمشة أو المفراكة، كان هذا الرجل يرى في ود أمونة مستقبل طباخ ماهر. «ود أمونة يشبهني في أشياء كثيرة، عندما كنت طفلا كنت مثله وسيما، وكسولا، وكثير الشجار مع الأطفال، ولكني أيضا كنت أحب أن أكون في صحبة النساء مثله تماما.»
أكثر ما لا يحبه ود أمونة في طباخ السجن، بالإضافة إلى أطباقه التي دائما ما تحتاج إلى من يغسلها من الويكة، ودهن إدام القرع، أن طباخ السجن لوطي، هكذا يقول الناس عنه في العنبر، والعازة بالذات حذرته منه، وأوصته ألا يتركه ينفرد به، أو يلمسه في أماكن بعينها، وإذا قال له كلاما به قلة أدب عليه إخبارها، أو إخبار والدته أمونة بأسرع ما يمكن.
ولكن ود أمونة ما كان يحس بالخطر كما تحس به العازة، ولذا مرت نصيحتها كما تمر نصائح أمه اليومية الكثيرة المملة التي لا تفيد في شيء، بالأمس بعد أن فرغ ود أمونة من غسيل الأطباق، ورصها بانتظام على دولاب الحديد، طلب منه طباخ السجن أن يلعبا بالعملة النحاسية «صورة وكتابة»، وقال له: كان غلبتني تديني بوسة، وكان غلبتك أديك بوسة.
وبصق سفة الصعوط جانبا قرب قدر كبير على الفحم، وبحركة بهلوانية أخرج قطعة عملة من النحاس، أطارها في الهواء ثم تلقاها بكفه، وبسرعة البرق أغلق عليها بكل أصابعه واضعا في نفس اللحظة ابتسامة على طول وعرض فمه الكبير، بين أسنان صفراء متفرقة بارزة، سأل ود أمونة: طرة ولا كتابة؟
أطار بعض رذاذ البصاق في الهواء، سقط بعضه على وجه ود أمونة، مسحه بباطن كفه في قرف. «أكثر ما أكرهه في هذا الشخص شفاهه المبتلة دائما بالبصاق، ورائحة الصعوط.»
أعادته الشامة مرة أخرى من شروده، عندما قالت له وهي تعيد نظم ضفيرة من الشعر المستعار على رأسها: أمك حتجي بعد كدا، المأمور كرهها الدنيا، إنت عارف ملابسه، وملابس أولاده، وبناته، وحتى جيرانه، والله أنا شاكة في إنو قاعد يأخذ عمولة من الناس في الغسيل، أمك لو بقت مكنة غسيل حتنتهي، ولكن هانت، باقي لينا كلنا السنة دي بس، أمك باقي ليها ستة شهور، هانت يا ولدي.
قال له ود أمونة، بصورة نهائية وقاطعة: أنا ما عايز ألعب معاك طرة ولا كتابة.
قال له السجان بصوت منخفض محاولا أن يكون رقيقا: كويس، تعال أديك بوسة.
نامعلوم صفحہ