جناقو مسامیر الارض
الجنقو مسامير الأرض
اصناف
ثم أضاف: إنتو من وين؟
قلنا معا بصوت واحد: من القضارف.
صمت صمتا طويلا ثم أصدر هواء من فمه بصوت محسور: سجن القضارف، شفتوا سجن القضارف؟ بالتأكيد تكونوا شفتوه، مش كدا؟ في ديم النور.
رد عليه: بالتأكيد، في زول في القضارف ما شاف السجن؟!
قال وهو يخطو بنا خطوات سريعات في عمق المكان: أنا اتربيت فيه.
سيعرف في ما بعد أن والدينا كانا يعملان في ذات السجن، سحبنا من بين قطاقطي، ورواكيب القش، في أزقة طويلة لا تنتهي تتلوى كالثعابين، صاعدة هابطة على أرض وعرة، عليها أخاديد صنعتها الوابورات، واللواري، وعربات الترحيل الخفيفة، مثل اللاندروفرات والبربارات، تعم المكان رائحة البخور مختلطة بعبق المريسة، وبعض الخمور البلدية، على خلفية من ريح فاترة تهب جنوبا، دافئة وطيبة، دون أن نطرق بابا من الزنك على سور من القش والحطب، دخلنا بيت الأم، أو كما يطلقون عليه بالتجرنة: قذا أدي.
السجين السجن والسجان
هذا ما تحصلت عليه من عدة حكاة ورواة، من بينهم حبيبتي ألم قشي، والأم، مختار علي، الصافية؛ وود أمونة نفسه، ما قصه لي مباشرة، وما اقتطفته من مذكراته، مع بعض التدخل، وقليل من التأويل، والتحوير، والالتفاف، والتقويم، والإفساد أحيانا، لحكاية ود أمونة في السجن.
قرر بينه وبين نفسه ألا يغسل الأطباق بعد اليوم، حتى لو نفذوا تهديدهم، ورموا به في الشارع، لا يهم؛ يستطيع أن يبقى خارج السجن، ويمكنه النوم تحت الجدار الذي يقابل غرفة أمه، وسوف يأكل ما ترميه أمه له من أعلى السور، وهو أيضا يعرف كيف يصطاد الطيور، والفئران، ويشويها، عن طريق المهارات القتالية التي اكتسبها من والدته، يستطيع أن يحارب الأشرار، قد لا يعرفهم الآن، ولكنه سينتصر عليهم فور أن يشرعوا في مهاجمته، كانت أمه أمونة تقول له دائما: «كان اعتدوا عليك عشرين أو مية شخص ، إنت أمسك واحد بس، وإن شاء الله تعضيه بسنونك، إن شاء الله تخربشه بأظافرك، إن شاء الله تدخل يدينك في عينه، لكن ما تخلي حقك للناس، ولا تبكي، ولا تجري، الدنيا دي ما ينفع فيها الضعيف.»
قطعت حبل تفكيره أنامل الشامة على رأسه: تعال، عليك الله، فليني يا ود أمونة.
نامعلوم صفحہ