جامع الصحيحين
جامع الصحيحين لابن الحداد
اصناف
قد دللنا على الإيمان ما هو من تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام ما هو، وعلى أن الأمر مربوط بتربية العبد إياه بصنائع الإحسان، وحفظه وجه حاله عن جرحه بالخلاف والعصيان، وقد مضى في أول الباب ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العبد المسلم بشجرة النخل التي تلقح فتثمر ثمرا زهوا، وإذا طعمته وجدت طعمه حلوا، فالتقوى بذرها، والإقرار باللسان ثمرها، والأعمدة التي عليها بناء الإحسان أفنانها، وأوقات الفرائض ومواقيت الحج والزكاة إبانها، وحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب من أمرك بحبه ماؤها، والإيمان بجميع ما أرسل به صلى الله عليه وسلم نماؤها، والرضا بالله وبرسوله وبالإسلام طعمها وحلاوتها، ومحاسن الأخلاق نداوتها، والدوام على تربيتها ثباتها، واستقبال القبلة وزيال المشركين قيامها ونباتها، وسائر الشعبة زينتها وأنوارها، ومكارم الأعمال أزهارها، وحفظ الجوارح حفظها عن الآفات والجوائح، والتبرؤ عن النفاق قيامها على الساق، وكل شجرة لم تتلقح لحمل الثمار، لم تصلح إلا للنجر أو للنار، وكما يدخل النار بعد قشر اللحاء للتثقيف كل نصاب قد تأود عصاه؛ فذاك مثل العبد المسلم ومثل من أسخط خالقه أو عصاه وكما لا يسقط في شجرة النخل سعفها، كذلك للنفس المسلمة بجميع #109# الشعب شعفها، وقد بين صلى الله عليه وسلم معنى الإحسان؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك بنظره إليك، وإحصائه عليك، وإلزامه إياك طائرك في عنقك، قد أحاط به عليك، ويوم يأتيك أجلك فهو ضجيعك في قبرك إلى أن تلقى ربك، وهو محاسبك عليه ومسائلك، ومن عبد الله على رؤيته لم يدع غاية ما قدر عليه من استعمال ما يرضي به مولاه، واجتناب ما يسخط عليه، تجاوز الله عنه بفضله وكرمه، وختم لنا بالخير، آمين.
صفحہ 108