جامع لی احکام قرآن
الجامع لاحكام القرآن
تحقیق کنندہ
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
ناشر
دار الكتب المصرية
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
پبلشر کا مقام
القاهرة
الرَّجُلُ بِمَعْنَى اسْتَغْنَى، وَأَغْنَاهُ اللَّهُ. وَتَغَانَوْا أَيِ اسْتَغْنَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حبناء التميمي:
كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... وَنَحْنُ إِذَا مُتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا
وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، أَيْ يُسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ. وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِإِتْبَاعِهِ التَّرْجَمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى" أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ «١» ". والمراد الاسستغناء بِالْقُرْآنِ عَنْ عِلْمِ أَخْبَارِ الْأُمَمِ، قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى يَتَغَنَّى بِهِ، يَتَحَزَّنُ بِهِ، أَيْ يَظْهَرُ عَلَى قَارِئِهِ الْحُزْنُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ السُّرُورِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ وَتِلَاوَتِهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْغَنِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ الْغَنِيَّةِ لَقَالَ: يَتَغَانَى بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ يَتَغَنَّى بِهِ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مِنْهُمُ الإمام أبو محمد ابن حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ. الْأَزِيزُ (بِزَايَيْنِ): صَوْتُ الرَّعْدِ وَغَلَيَانِ الْقِدْرِ. قَالُوا: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ التَّحَزُّنُ، وَعَضَّدُوا هَذَا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:" اقْرَأْ عَلِيَّ" فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ" النِّسَاءِ" حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ" فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا" «٢» فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ تَأْوِيلَاتٍ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَالتَّرْجِيعِ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ ﷺ:" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ" قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تُولَعُ بِالْغِنَاءِ وَالنَّشِيدِ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ هِجِّيرَاهُمْ «٣» مَكَانَ الْغِنَاءِ، فَقَالَ:" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". التَّأْوِيلُ الْخَامِسُ- مَا تَأَوَّلَهُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى التَّرْجِيعِ وَالتَّطْرِيبِ، فَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي عاصم النبيل تأول ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ:" يَتَغَنَّ" يَسْتَغْنِى، فَقَالَ:
_________
(١). آية ٥١ سورة العنكبوت.
(٢). آية ٤١ سورة النساء. [.....]
(٣). هجيراهم: دأبهم وعادتهم.
1 / 13