الباب الثالث من الفن الثاني من القطب الأول
في تفضيل الكلام المنثور على المنظوم
واعلم أن الأقوال متعارضة في تفضيل كل واحد من هذين القسمين على الآخر، إلا أن المذهب الفحل والقول القوي هو أن الكلام المنثور أفضل من الكلام المنظوم، والدليل على ذلك من أربعة أوجه:
(الأول) أن القرآن الكريم ورد نثرًا، ولولا فضله وعلو درجته، لما نزل كتاب الله ﷿ على أسلوبه ونهجه، وأيضًا، فإن القرآن معجزة الرسول ﷺ ومن المعلوم أن المعجزات لا تجيء إلا من طريق الأصعب، بحيث إنه لا يمكن أحدًا من خلق الله الوصول إليها، والإتيان بمثلها. ولما كان النثر من الأقوال الشاقة، والأشياء المتصعبة، أنزل الله تعالى القرآن، الذي هو معجزة، على قانونه.
ومما يدلك على أن النثر أشق من النظم، وأصعب مأخذًا، هو أن العرب كانوا أفصح الناس، وأبلغهم وأكثرهم قدرة على التفنن في الكلام، زعم هذا فلم نسمع لأحد منهم نثرًا، إلا قس بن ساعدة، الذي يضرب بكلامه المثل في الفصاحة والبلاغة، ولأقوام آخرين وهم قليل.
وأما النظم، فإن جميع العرب كانوا يقولونه وكان عليهم من أسهل الأشياء حتى على نسائهم.
1 / 73