اختلاف كل حالة من أحواله لها سبب نسبنا ذلك إليه. ولما رأينا أن هذه اللفظة، إذا ضممنا الجيم منها يذهب ذلك الحسن، علمنا أن سبب ذهابه كون الجيم مضمونة. وحيث كانت الحال بهذه المثابة، ثبت أن أخف الحركات الفتح ثم الكسر ثم الضم؛ والدليل على ذلك ما أذكره لك؛ وهو أن الحركات مضارعة المحروف. ألا ترى أن جماعة من علماء العربية كانوا يسمون (الضمة) الواو الصغيرة و(الكسرة) الياء الصغيرة، و(الفتحة) الألف الصغيرة؟ ومما يؤكد ذلك أنك متى أشبعت الحركة أنشأت بعدها حرفًا من جنسها، نحو قولك في إشباع ضرب (ضوري با) ولهذا إذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن اشبع الحركة فاشأ عنها حرفًا من جنسها كقول بعضهم:
فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح
يريد (بمنتزح) وهو مفتعل من النزح. فإذا ثبت هذا، فاعلم إنه إنما كانت الفتحة أخف من الكسرة، والكسرة أخف من الضمة؛ لأن الألف أخف من الياء، والياء أخف من الواو. والدليل على ذلك ما أذكره لك. فأما قولنا: إن الألف أخف من الياء فلأنا رأينا العرب قدًا بدلوا الألف من الياء في العين من الفعل الماضي، وذلك مطرد عندهم مستمر؛ وإنما فعلوا هذا استثقالًا للياء وطلبًا للاستخفاف، وبيانه أنهم قالوا: (باع، سار، وأختار) وأصله (بيع، وسير، واختير). فلما ثقل هذا عليهم أبدلوا الياء ألفا للخفة، فقالوا (باع، وسار، وأختار) وكذلك ما جرى هذا المجرى. فعلم بهذا أن الألف أخف من الياء. فإن قيل: إن هذا الدليل الذي أوردته على أن الألف أخف من الياء قد جاء عن العرب نقيضه، ألا ترى أنك إنما استدللت على إن الألف أخف من الياء، لكون العرب قد أبدلت الألف من الياء؟
وقد رأيناهم أبدلوا الياء
1 / 60