محمد عبد الله بن سنان الخفاجي، وغيرهم ممن له كتاب يشار إليه، وقول تعقد الخناصر عليه، ثم لما مضى على ذلك ملاوة من الدهر، وانقضى دونه برهة من العمر، لمحت في أثناء القرآن الكريم، من هذا النحو أشياء طريقة، ووجدت في مطاويه من هذا النوع نكتًا دقيقة لطيفة، فعرضتها عند ذلك، على الأقسام التي ذكرها هؤلاء العلماء وشرحوها، والأصناف التي بينوها في تصانيفهم وأوضحوها، فألفيتهم قد غفلوا عنها، ولم ينبهوا على شيء منها، وكان ذلك باعثًا لي على
تصفح آيات القرآن العزيز، والكشف عن سره المكنون، فاستخرجت منه حينئذ ثلاثين ضربًا من علم البيان، لم يأت بها أحد من أولئك العلماء الأعيان، وكان ما ظفرت به أصل هذا الفن وعمدته، وخلاصة هذا العلم وزبدته، فحيث أحرزت هذه الفضيلة، وحصلت عندي هذه العقيلة، أحببت أن أفرد لها كتابًا، وأفصلها فيه أقسامًا وأبوابًا، ليكون مقصورًا على شوارد هذا العلم وغرائبه، ورموزه الخفية وعجائبه، وليجعله مؤلف الكلام رأس بضاعته، ويعلم به مواقع الصواب في صناعته، فلما شرعت في تلفيقه، وبدأت بإيضاح القول فيه وتحقيقه، عاودت النظر في تصانيف العلماء المذكورين، والتبصر في أقوال أئمة هذه الصناعة المشهورين، فسنح لي عند ذلك لطائف رائعة، ونوادر حسنة فائقة، هي كالشاهدة لما بينوه، والمشيدة لما نصوا عليه وعينوه، وقلما تركت قولًا من أقوالهم بحاله، من غير زيارة أودعها في خلاله.
فصار هذا الكتاب لغوامض علم البيان مبينًا، ولما ذكره أرباب هذه الصناعة، وما لم
1 / 3