فإنه يكون في غاية الحسن والرونق، وهذا لا خفاء به.
وأما النوع الرابع وهو الاطلاع على كلام المتقدمين من المنظوم والمنثور، فإن فيه للمؤلف فوائد جمة؛ وذلك أن يعلم منه أغراض الناس ونتائج أفكارهم، ويعرف مقاصد كل فريق منهم، والى أين ترامت به صنعته في ذلك، فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة، وتذكي الفطنة. وإذا كان المؤلف عارفًا بها تصير المعاني، التي ذكرها أرباب هذه الصناعة، وتعبوا في استخراجها كالشيء الملقى بين يديه، يأخذ
منه ما أراد، ويترك ما أراد. وأيضًا فإنه إذا كان مطلعًا على المعاني المسبوق إليها، فقد ينقدح له من بينها معنى غريب، لم يسبق (إليه). ومن المعلوم أن خواطر المؤلفين وإن كانت متفاوتة في الجودة والرداءة، فإن بعضها قد يكون عاليًا على بعض، أو منحطًا عنه بشيء يسير. وكثيرًا ما تتساوى القرائح والأفكار، في الإتيان بالمعاني، حتى إن بعض المؤلفين قد يأتي بمعنى من المعاني مصوغًا بلفظه، ثم يأتي الآخر بعده، بذلك المعنى واللفظ، بعينهما، من غير علم منه بما جاء به المؤلف الأول، وهذا هو الذي تسميه أرباب هذه الصناعة (وقع الحافر على الحافر) كقول امرئ القيس:
وقوفًا بها صحبي عليّ مطيُّهم ... يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجمَّلِ
وقول طرفة بن العبد البكري بعده:
وقوفًا بها صحبي علي مطيُّهم ... يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجلَّدِ
وسيأتي لذلك باب مفرد في كتابنا هذا.
وأما النوع الخامس، وهو معرفة الأحكام السلطانية من الإمامة والإمارة، وغير ذلك،
1 / 17