جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
قال أبو جعفر: والصيب الفيعل، من قولك: صاب المطر يصوب صوبا: إذا انحدر ونزل، كما قال الشاعر:
فلست لإنسي ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوب
وكما قال علقمة بن عبدة:
كأنهم صابت عليهم سحابة
صواعقها لطيرهن دبيب
فلا تعدلي بيني وبين مغمر
سقيت روايا المزن حين تصوب
يعني: حين تنحدر. وهو في الأصل: صيوب، ولكن الواو لما سبقتها ياء ساكنة صيرتا جميعا ياء مشددة، كما قيل: سيد من ساد يسود، وجيد من جاد يجود. وكذلك تفعل العرب بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة تصيرهما جميعا ياء مشددة. وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل. حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: { أو كصيب من السمآء } قال: القطر. وحدثني عباس بن محمد، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، قال لي عطاء: الصيب: المطر. وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية ابن صالح، عن علي عن ابن عباس، قال: الصيب: المطر. وحدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الصيب: المطر. وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي سعد، قال: حدثني عمي الحسين، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس مثله. وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: أو كصيب قال: المطر. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن قتادة مثله. وحدثني محمد بن عمرو الباهلي، وعمرو بن علي، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الصيب: المطر. وحدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الصيب: المطر. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: الصيب: المطر. وحدثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الصيب: المطر. وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: { أو كصيب من السمآء } قال: أو كغيث من السماء. وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: قال سفيان: الصيب: الذي فيه المطر. حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء في قوله: أو كصيب من السماء قال: المطر. قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر، مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره على ما وصف جل ثناؤه من صفته، أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة، وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه.
فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن هذين المثلين، أهما مثلان للمنافقين أو أحدهما؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين فكيف قيل: { أو كصيب } ، و«أو» تأتي بمعنى الشك في الكلام، ولم يقل: وكصيب، بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول؟ أو يكون مثل القوم أحدهما، فما وجه ذكر الآخر ب«أو»، وقد علمت أن «أو» إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه، كقول القائل: لقيني أخوك أو أبوك، وإنما لقيه أحدهما، ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما، مع علمه أن أحدهما قد لقيه وغير جائز في الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء أو عزوب علم شيء عنه فيما أخبر أو ترك الخبر عنه. قيل له: إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه، و«أو» وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك، فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو إما بسابق من الكلام قبلها، وإما بما يأتي بعدها كقول توبة بن الحمير:
نامعلوم صفحہ