جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
فلا ريب أن قد كان ثم لحيم
ويروى: «حصروا»، و«حصروا»، والفتح أكثر، والكسر جائز. يعني بقوله: «حصروا به»: أطافوا به، ويعني بقوله: { لا ريب فيه } لا شك فيه، وبقوله: «أن قد كان ثم لحيم»، يعني قتيلا، يقال: قد لحم إذا قتل. والهاء التي في «فيه» عائدة على الكتاب، كأنه قال: لا شك في ذلك الكتاب أنه من عند الله هدى للمتقين. القول في تأويل قوله تعالى: { هدى }. حدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: هدى قال: هدى من الضلالة. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { هدى للمتقين } يقول: نور للمتقين. والهدى في هذا الموضع مصدر من قولك: هديت فلانا الطريق إذا أرشدته إليه، ودللته عليه، وبينته له أهديه هدى وهداية. فإن قال لنا قائل: أو ما كتاب الله نورا إلا للمتقين ولا رشادا إلا للمؤمنين؟ قيل: ذلك كما وصفه ربنا عز وجل، ولو كان نورا لغير المتقين، ورشادا لغير المؤمنين لم يخصص الله عز وجل المتقين بأنه لهم هدى، بل كان يعم به جميع المنذرين ولكنه هدى للمتقين، وشفاء لما في صدور المؤمنين، ووقر في آذان المكذبين، وعمي لأبصار الجاحدين، وحجة لله بالغة على الكافرين فالمؤمن به مهتد، والكافر به محجوج. وقوله: هدى يحتمل أوجها من المعاني أحدها: أن يكون نصبا لمعنى القطع من الكتاب لأنه نكرة والكتاب معرفة، فيكون التأويل حينئذ: الم ذلك الكتاب هاديا للمتقين. و«ذلك» مرفوع ب«الم»، و«الم» به، و«الكتاب» نعت ل«ذلك». وقد يحتمل أن يكون نصبا على القطع من راجع ذكر الكتاب الذي في «فيه»، فيكون معنى ذلك حينئذ: الم الذي لا ريب فيه هاديا. وقد يحتمل أن يكون أيضا نصبا على هذين الوجهين، أعني على وجه القطع من الهاء التي في «فيه»، ومن الكتاب على أن «الم» كلام تام، كما قال ابن عباس. إن معناه: أنا الله أعلم. ثم يكون «ذلك الكتاب» خبرا مستأنفا، ويرفع حينئذ الكتاب ب«ذلك» و«ذلك» بالكتاب، ويكون «هدى» قطعا من الكتاب ، وعلى أن يرفع «ذلك» بالهاء العائدة عليه التي في «فيه»، والكتاب نعت له، والهدى قطع من الهاء التي في «فيه». وإن جعل الهدى في موضع رفع لم يجز أن يكون «ذلك الكتاب» إلا خبرا مستأنفا و«الم» كلاما تاما مكتفيا بنفسه إلا من وجه واحد وهو أن يرفع حينئذ «هدى» بمعنى المدح كما قال الله جل وعز:
الم تلك ءايت الكتب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين
[لقمان: 1-3] في قراءة من قرأ «رحمة» بالرفع على المدح للآيات.
والرفع في «هدى» حينئذ يجوز من ثلاثة أوجه، أحدها: ما ذكرنا من أنه مدح مستأنف. والآخر: على أن يجعل الرافع «ذلك»، والكتاب نعت ل«ذلك». والثالث: أن يجعل تابعا لموضع «لا ريب فيه»، ويكون «ذلك الكتاب» مرفوعا بالعائد في «فيه»، فيكون كما قال تعالى ذكره:
وهذا كتب أنزلنه مبارك
وقد زعم بعض المتقدمين في العلم بالعربية من الكوفيين أن «الم»مرافع «ذلك الكتاب» بمعنى: هذه الحروف من حروف المعجم، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. ثم نقض ذلك من قوله فأسرع نقضه، وهدم ما بنى فأسرع هدمه، فزعم أن الرفع في «هدى» من وجهين والنصب من وجهين، وأن أحد وجهي الرفع أن يكون «الكتاب» نعتا ل«ذلك»، و«الهدى» في موضع رفع خبر ل«ذلك» كأنك قلت: ذلك لا شك فيه. قال: وإن جعلت «لا ريب فيه» خبره رفعت أيضا «هدى» بجعله تابعا لموضع «لا ريب فيه» كما قال الله جل ثناؤه:
وهذا كتب أنزلنه مبارك
[الأنعام: 92] كأنه قال: وهذا كتاب هدى من صفته كذا وكذا. قال: وأما أحد وجهي النصب، فأن تجعل «الكتاب» خبرا ل«ذلك» وتنصب «هدى» على القطع لأن «هدى» نكرة اتصلت بمعرفة وقد تم خبرها فتنصبها، لأن النكرة لا تكون دليلا على معرفة، وإن شئت نصبت «هدى» على القطع من الهاء التي في «فيه» كأنك قلت: لا شك فيه هاديا. قال أبو جعفر: فترك الأصل الذي أصله في «الم» وأنها مرفوعة ب«ذلك الكتاب» ونبذه وراء ظهره. واللازم له على الأصل الذي كان أصله أن لا يجيز الرفع في «هدى» بحال إلا من وجه واحد، وذلك من قبل الاستئناف إذ كان مدحا. فأما على وجه الخبر لذلك، أو على وجه الإتباع لموضع «لا ريب فيه»، فكان اللازم له على قوله إن يكون خطأ، وذلك أن «الم» إذا رفعت «ذلك الكتاب» فلا شك أن «هدى» غير جائز حينئذ أن يكون خبرا ل«ذلك» بمعنى الرافع له، أو تابعا لموضع لا ريب فيه، لأن موضعه حينئذ نصب لتمام الخبر قبله وانقطاعه بمخالفته إياه عنه.القول في تأويل قوله تعالى: { للمتقين }. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قوله: { للمتقين } قال: اتقوا ما حرم عليهم وأدوا ما افترض عليهم. حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { للمتقين } أي الذين يحذرون من الله عز وجل عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء به. حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { هدى للمتقين } قال: هم المؤمنون.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: سألني الأعمش عن المتقين، قال: فأجبته، فقال لي: سل عنها الكلبي فسألته فقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم. قال: فرجعت إلى الأعمش، فقال: نرى أنه كذلك ولم ينكره. حدثني المثنى بن إبراهيم الطبري، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله، قال: حدثنا عمر أبو حفص، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: { هدى للمتقين } من هم نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم فقال:
نامعلوم صفحہ