جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
يريد: ويلحينني في اللهو أن أحبه. وبقوله تعالى: ما منعك أن لا تسجد يريد أن تسجد. وحكي عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول «غير» التي «مع المغضوب عليهم» أنها بمعنى «سوى»، فكأن معنى الكلام كان عنده: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم والضالين.
وكان بعض نحويي الكوفة يستنكر ذلك من قوله، ويزعم أن «غير» التي «مع المغضوب عليهم» لو كانت بمعنى «سوى» لكان خطأ أن يعطف عليها ب«لا»، إذ كانت «لا» لا يعطف بها إلا على جحد قد تقدمها، كما كان خطأ قول القائل: عندي سوى أخيك، ولا أبيك لأن «سوى» ليست من حروف النفي والجحود ويقول: لما كان ذلك خطأ في كلام العرب، وكان القرآن بأفصح اللغات من لغات العرب، كان معلوما أن الذي زعمه القائل أن «غير مع المغضوب» عليهم بمعنى: «سوى المغضوب عليهم» خطأ، إذ كان قد كر عليه الكلام ب«لا». وكان يزعم أن «غير» هنالك إنما هي بمعنى الجحد، إذ كان صحيحا في كلام العرب وفاشيا ظاهرا في منطقها توجيه «غير» إلى معنى النفي ومستعملا فيهم: أخوك غير محسن ولا مجمل، يراد بذلك أخوك لا محسن، ولا مجمل، ويستنكر أن تأتي «لا» بمعنى الحذف في الكلام مبتدأ ولما يتقدمها جحد، ويقول: لو جاز مجيئها بمعنى الحذف مبتدأ قبل دلالة تدل على ذلك من جحد سابق، لصح قول قائل قال: أردت أن لا أكرم أخاك، بمعنى: أردت أن أكرم أخاك. وكان يقول: ففي شهادة أهل المعرفة بلسان العرب على تخطئه قائل ذلك دلالة واضحة على أن «لا» لا تأتي مبتدأة بمعنى الحذف، ولما يتقدمها جحد. وكان يتأول في «لا» التي في بيت العجاج الذي ذكرنا أن البصري استشهد به بقوله إنها جحد صحيح، وأن معنى البيت: سرى في بئر لا تحير عليه خيرا، ولا يتبين له فيها أثر عمل، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به. من قولهم: طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا أي لم يتبين لها أثر عمل. ويقول في سائر الأبيات الأخر، أعني مثل بيت أبي النجم:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا
إنما جاز أن تكون «لا» بمعنى الحذف، لأن الجحد قد تقدمها في أول الكلام، فكان الكلام الآخر مواصلا للأول، كما قال الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم
والطيبان أبو بكر ولا عمر
فجاز ذلك، إذ كان قد تقدم الجحد في أول الكلام. قال أبو جعفر: وهذا القول الآخر أولى بالصواب من الأول، إذ كان غير موجود في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه ب«لا» التي معناها الحذف، ولا جائز العطف بها على «سوى»، ولا على حرف الاستثناء. وإنما ل«غير» في كلام العرب معان ثلاثة: أحدها الاستثناء، والآخر الجحد، والثالث سوى، فإذا بطل خطأ «لا» أن يكون بمعنى الإلغاء مبتدأ وفسد أن يكون عطفا على «غير» التي مع «المغضوب عليهم»، لو كانت بمعنى «إلا» التي هي استثناء، ولم يجز أيضا أن يكون عطفا عليها لو كانت بمعنى «سوى»، وكانت «لا» موجودة عطفا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قبلها، صح وثبت أن لا وجه ل«غير» التي مع «المغضوب عليهم» يجوز توجيهها إليه على صحة إلا بمعنى الجحد والنفي، وأن لا وجه لقوله: «ولا الضالين»، إلا العطف على «غير المغضوب عليهم».
فتأويل الكلام إذا إذ كان صحيحا ما قلنا بالذي عليه استشهدنا: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم لا المغضوب عليهم ولا الضالين. فإن قال لنا قائل: ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بالاستعاذة بالله أن يسلك بنا سبيلهم، أو نضل ضلالهم؟ قيل: هم الذين وصفهم الله في تنزيله، فقال:
يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهوآء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سوآء السبيل
[المائده: 77] فإن قال: وما برهانك على أنهم أولاء؟ قيل: حدثنا أحد بن الوليد الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي ، عن عدي بن أبي حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ولا الضالين } قال:
نامعلوم صفحہ