جامع البيان في تفسير القرآن

الطبری d. 310 AH
205

جامع البيان في تفسير القرآن

جامع البيان في تفسير القرآن

ومعنى ذلك: قال قوم موسى لموسى: { ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها }: أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها. وهذا أيضا تعنت آخر منهم بعد الأول، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية، إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها فحصروا على نوع دون سائر الأنواع عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم تعنتا منهم له، ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء، فقالوا تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس: { ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها } فقيل لهم عقوبة لهم: { إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين } فحصروا على لون منها دون لون، ومعنى ذلك أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها. قال: ومعنى قوله: { يبين لنا ما لونها } أي شيء لونها، فلذلك كان اللون مرفوعا، لأنه مرافع «ما» وإنما لم ينصب «ما» بقوله «يبين لنا»، لأن أصل «أي» و«ما» جمع متفرق الاستفهام. يقول القائل: بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء؟ فلما لم يكن كقوله «بين لنا» ارتفع على الاستفهام منصرفا لم يكن له ارتفع على أي لأنه جمع ذلك المتفرق، وكذلك كل ما كان من نظائره، فالعمل فيه واحد في «ما» و«أي». واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { صفراء } فقال بعضهم: معنى ذلك سوداء شديدة السواد. ذكر من قال ذلك منهم: حدثني أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري، قال: ثنا نوح بن قيس، عن محمد بن سيف، عن الحسن: { صفراء فاقع لونها } قال: سوداء شديدة السواد. حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، والمثنى بن إبراهيم قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا نوح بن قيس، عن محمد بن سيف، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك : صفراء القرن والظلف. ذكر من قال ذلك: حدثني هشام بن يونس النهشلي، قال: ثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن الحسن في قوله: { صفراء فاقع لونها } قال: صفراء القرن والظلف. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: { صفراء فاقع لونها } قال: كانت وحشية. حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن إبراهيم، عن أبي حفص، عن مغراء، أو عن رجل، عن سعيد بن جبير: { بقرة صفراء فاقع لونها } قال: صفراء القرن والظلف.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هي صفراء. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { إنها بقرة صفراء فاقع لونها } قال: لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم. قال أبو جعفر: وأحسب أن الذي قال في قوله: { صفراء } يعني به سوداء، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود: هذه إبل صفر، وهذه ناقة صفراء يعني بها سوداء. وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة، ومنه قول الشاعر:

تلك خيلي منها وتلك ركابي

هن صفر أولادها كالزبيب

يعني بقوله: هن صفر: هن سود، وذلك إن وصفت الإبل به فليس مما توصف به البقر، مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع، وإنما تصف السواد إذا وصفته بالشدة بالحلوكة ونحوها، فتقول: هو أسود حالك وحانك وحلكوك وأسود غربيب ودجوجي ولا تقول هو أسود فاقع وإنما تقول هو أصفر فاقع فوصفه إياه بالفقوع من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله { إنها بقرة صفراء فاقع } المتأول بأن معناه سوداء شديدة السواد. القول في تأويل قوله تعالى { فاقع لونها } يعني خالص لونها والفقوع في الصفرة نظير النصوع في البياض وهو شدته وصفاؤه كما.حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال قتادة { فاقع لونها } هي الصافي لونها.حدثني المثنى قال ثنا آدم قال ثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية { فاقع لونها } أي صاف لونها حدثت عن عمار قال ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بمثله.حدثنا موسى قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدى { فاقع } قال نقى لونها.حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس { فاقع لونها } شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض قال أبو جعفر أراه أبيض.حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله { فاقع لونها } قال شديدة صفرتها يقال منه فقع لونه يفقع ويفقع فقعا وفقوعا فهو فاقع كما قال الشاعر:

حملت عليه الورد حتى تركته

ذليلا يسف الترب واللون فاقع

القول في تأويل قوله تعالى: { تسر الناظرين }. يعني بقوله: { تسر الناظرين } تعجب هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها الناظر إليها. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { تسر الناظرين } أي تعجب الناظرين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل ابن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا: { تسر الناظرين } إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { تسر الناظرين } قال: تعجب الناظرين.

[2.71]

وتأويل ذلك، قال موسى: إن الله يقول: إن البقرة التي أمرتكم بذبحها بقرة لا ذلول. ويعني بقوله: { لا ذلول }: أي لم يذللها العمل. فمعنى الآية: أنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض بأظلافها، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزرع، كما يقال للدابة التي قد ذللها الركوب أو العمل: دابة ذلول بينة الذل، بكسر الذال، ويقال في مثله من بني آدم: رجل ذليل بين الذل والذلة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { إنها بقرة لا ذلول } يقول: صعبة لم يذلها عمل، { تثير الأرض ولا تسقي الحرث }. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض } يقول: بقرة ليست بذلول يزرع عليها، وليست تسقي الحرث. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { إنها بقرة لا ذلول } أي لم يذللها العمل، { تثير الأرض } يعني ليست بذلول فتثير الأرض، { ولا تسقي الحرث } يقول: ولا تعمل في الحرث. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { إنها بقرة لا ذلول } يقول: لم يذلها العمل، { تثير الأرض } يقول: تثير الأرض بأظلافها، { ولا تسقي الحرث } يقول: لا تعمل في الحرث. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال: الأعرج: قال مجاهد: قوله: { لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث } يقول: ليست بذلول فتفعل ذلك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: ليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث. ويعني بقوله: { تثير الأرض }: تقلب الأرض للحرث، يقال منه: أثرت الأرض أثيرها إثارة: إذا قلبتها للزرع. وإنما وصفها جل ثناؤه بهذه الصفة لأنها كانت فيما قيل وحشية. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: كانت وحشية. القول في تأويل قوله تعالى: { مسلمة }. ومعنى { مسلمة } مفعلة من السلامة، يقال منه: سلمت تسلم فهي مسلمة. ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سلمت منه، فوصفها الله بالسلامة منه. فقال مجاهد بما: حدثنا به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { مسلمة } يقول: مسلمة من الشية، و { لاشية فيها } لا بياض فيها ولا سواد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: { لاشية فيها } قال: مسلمة من الشية { لاشية فيها } لا بياض فيها ولا سواد.

نامعلوم صفحہ