جامع البيان في تفسير القرآن

الطبری d. 310 AH
198

جامع البيان في تفسير القرآن

جامع البيان في تفسير القرآن

[النساء: 153] وأن الله تعالى ذكره أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم وأنهم عبدوا العجل، فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة، فقالوا لنبيهم:

اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون

[المائدة: 24] فابتلاهم بالتيه. فسواء قال قائل: هم لم يمسخهم قردة، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير، وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه، سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح.

هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته. القول في تأويل قوله تعالى: { فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين }. يعني بقوله: { فقلنا لهم } أي فقلنا للذين اعتدوا في السبت يعني في يوم السبت. وأصل السبت الهدو السكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لهدوه وسكون جسده واستراحته، كما قال جل ثناؤه: { وجعلنا نومكم سباتا } [النبأ: 9] أي راحة لأجسادكم، وهو مصدر من قول القائل: سبت فلان يسبت سبتا. وقد قيل إنه سمي سبتا لأن الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة، وهو اليوم الذي قبله، من خلق جميع خلقه. وقوله: { كونوا قردة خاسئين } أي صيروا كذلك. والخاسىء: المبعد المطرود كما يخسأ الكلب، يقال منه: خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا، وهو يخسأ خسوءا، قال: ويقال خسأته فخسأ وانخسأ، ومنه قول الراجز:

كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ

يعني إن طردته انطرد ذليلا صاغرا. فكذلك معنى قوله: { كونوا قردة خاسئين } أي مبعدين من الخير أذلاء صغراء. كما: حدثنا بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { كونوا قردة خاسئين } قال: صاغرين. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن رجل، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { خاسئين } قال: صاغرين. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { كونوا قردة خاسئين } أي أذلة صاغرين. وحدثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: خاسئا: يعني ذليلا. القول في تأويل قوله تعالى: { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين } اختلف أهل التأويل في تأويل الهاء والألف في قوله: { فجعلناها } وعلام هي عائدة، فروي عن ابن عباس فيها قولان: أحدهما ما: حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عباس: { فجعلناها } فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة نكالا. فالهاء والألف من قوله: { فجعلناها } على قول ابن عباس هذا كناية عن المسخة، وهي «فعلة» من مسخهم الله مسخة. فمعنى الكلام على هذا التأويل: { فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } فصاروا قردة ممسوخين { فجعلناها } فجعلنا عقوبتنا ومسخنا إياهم { نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين }. والقول الآخر من قولي ابن عباس ما: حدثني به محمد بن سعد، قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { فجعلناها } يعني الحيتان.

والهاء والألف على هذا القول من ذكر الحيتان، ولم يجر لها ذكر. ولكن لما كان في الخبر دلالة كني عن ذكرها، والدلالة على ذلك قوله: { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت }. وقال آخرون: فجعلنا القرية التي اعتدى أهلها في السبت. فالهاء والألف في قول هؤلاء كناية عن قرية القوم الذين مسخوا. وقال آخرون: معنى ذلك: فجعلنا القردة الذين مسخوا نكالا لما بين يديها وما خلفها، فجعلوا الهاء والألف كناية عن القردة. وقال آخرون: { فجعلناها } يعني به: فجعلنا الأمة التي اعتدت في السبت نكالا. القول في تأويل قوله تعالى: { نكالا }. والنكال مصدر من قول القائل: نكل فلان بفلان تنكيلا ونكالا، وأصل النكال: العقوبة، كما قال عدي بن زيد العبادي:

لا يسخط الضليل ما سمع ال

عبد ولا في نكاله تنكير

وبمثل الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { نكالا } يقول: عقوبة. حدثني المثنى، قال: حدثني إسحاق، قال: حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { فجعلناها نكالا } أي عقوبة. القول في تأويل قوله تعالى: { لما بين يديها وما خلفها }. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم بما: حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { لما بين يديها } يقول: ليحذر من بعدهم عقوبتي، { وما خلفها } يقول: الذين كانوا بقوا معهم. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { لما بين يديها وما خلفها } لما خلا لهم من الذنوب، { وما خلفها }: أي عبرة لمن بقي من الناس. وقال آخرون بما: حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: قال ابن عباس: { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها } أي من القرى. وقال آخرون بما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: { فجعلناها نكالا لما بين يديها } من ذنوب القوم، { وما خلفها } أي للحيتان التي أصابوا. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { لما بين يديها } من ذنوبها { وما خلفها } من الحيتان. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: { لما بين يديها } ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به.

نامعلوم صفحہ