جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
" إن الطاعون رجز أنزل على من كان قبلكم أو على بني إسرائيل "
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن قتادة في قوله: { رجزا } قال: عذابا. حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء } قال: الرجز: الغضب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لما قيل لبني إسرائيل: { ادخلوا الباب سجدا.. وقولوا حطة.. فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم } بعث الله جل وعز عليهم الطاعون، فلم يبق منهم أحدا. وقرأ: { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون }. قال: وبقي الأبناء، ففيهم الفضل والعبادة التي توصف في بني إسرائيل والخير، وهلك الآباء كلهم، أهلكهم الطاعون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الرجز: العذاب، وكل شيء في القرآن رجز فهو عذاب. حدثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { رجزا } قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز، يعني به العذاب. وقد دللنا على أن تأويل الرجز: العذاب. وعذاب الله جل ثناؤه أصناف مختلفة. وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء، وجائز أن يكون ذلك طاعونا، وجائز أن يكون غيره، ولا دلالة في ظاهر القرآن ولا في أثر عن الرسول ثابت أي أصناف ذلك كان. فالصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل: { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء } بفسقهم.
غير أنه يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الطاعون أنه رجز، وأنه عذب به قوم قبلنا. وإن كنت لا أقول إن ذلك كذلك يقينا لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيان فيه أي أمة عذبت بذلك. وقد يجوز أن يكون الذين عذبوا به كانوا غير الذين وصف الله صفتهم في قوله: { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم }. القول في تأويل قوله تعالى ذكره: { بما كانوا يفسقون }. وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى الفسق: الخروج من الشيء. فتأويل قوله: { بما كانوا يفسقون } إذا بما كانوا يتركون طاعة الله عز وجل، فيخرجون عنها إلى معصيته وخلاف أمره.
[2.60]
يعني بقوله: { وإذ استسقى موسى لقومه }: وإذ استسقانا موسى لقومه: أي سألنا أن نسقي قومه ماء. فترك ذكر المسؤول ذلك، والمعنى الذي سأل موسى، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك. وكذلك قوله: { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } مما استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه . وذلك أن معنى الكلام، فقلنا: اضرب بعصاك الحجر، فضربه فانفجرت. فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه. وكذلك قوله: { قد علم كل أناس مشربهم } إنما معناه: قد علم كل أناس منهم مشربهم، فترك ذكر منهم لدلالة الكلام عليه. وقد دللنا فيما مضى على أن الناس جمع لا واحد له من لفظه، وأن الإنسان لو جمع على لفظه لقيل: أناسي وأناسية. وقوم موسى هم بنو إسرائيل الذين قص الله عز وجل قصصهم في هذه الآيات، وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه، كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: { وإذ استسقى موسى لقومه } الآية قال: كان هذا إذ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ، فأمروا بحجر طوري أي من الطور أن يضربه موسى بعصاه، فكانوا يحملونه معهم، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها لهم. حدثني تميم بن المنتصر، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا أصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ذلك في التيه ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون، لكل سبط عين، ولا يرتحلون منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الأول. حدثني عبد الكريم، قال: أخبرنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر، فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها. وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } لكل سبط منهم عين، كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا. حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: { وإذ استسقى موسى لقومه } قال: خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا، فانفجر لهم الحجر اثنتي عشرة عينا ضربه موسى.
قال ابن جريج، قال ابن عباس: الأسباط: بنو يعقوب كانوا اثني عشر رجلا كل واحد منهم ولد سبطا أمة من الناس. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: استسقى لهم موسى في التيه، فسقوا في حجر مثل رأس الشاة. قال: يلقونه في جانب الجوالق إذا ارتحلوا، ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا، لكل سبط منهم عين. فكان بنو إسرائيل يشربون منه، حتى إذا كان الرحيل استمسكت العيون، وقيل به فألقي في جانب الجوالق، فإذا نزل رمي به. فقرعه بالعصا، فتفجرت عين من كل ناحية مثل البحر. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثني أسباط، عن السدي، قال: كان ذلك في التيه. وأما قوله: { قد علم كل أناس مشربهم } فإنما أخبر الله عنهم بذلك، لأن معناهم في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر الذي وصف جل ذكره في هذه الآية صفته من الشرب كان مخالفا معاني سائر الخلقفيما أخرج الله لهم من المياه من الجبال والارضين التي لا مالك لها سوى الله عز وجل وذلك أن الله كان جعل لكل سبط من الاسباط الاثنى عشر عينا من الحجر الذي وصف صفته في هذه الآية يشرب منها دون سائر الاسباط غيره لا يدخل سبط منهم في شرب سبط غيره وكان مع ذلك لكل عين من تلك العيون الاثنتي عشرة موضع من الحجر قد عرفه السبط الذي منه شربه فلذلك خص جل ثناؤه هؤلاء بالخبر عنهم أن كل أناس منهم كانوا علمين بمشربهم دون غيرهم من الناس إذ كان غيرهم في الماء الذي لا يملكه أحد شركاء في منابعه ومسايله وكان كل سبط من هؤلاء مفراد بشرب منبع من منابع الحجر دون سائر منابعه خاص لهم دون سائر الاسباط غيرهم فلذلك خصوا بالخبر عنهم أن كل أناس منهم قد علموا مشربهم. القول في تأويل قوله تعالى { كلوا واشربوا من رزق الله } وهذا أيضا مما استغنى بذكر ما هو ظاهر منه. عن ذكره ما ترك ذكره. وذلك أن تأويل الكلام: { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، قد علم كل أناس مشربهم، فقيل لهم: كلوا واشربوا من رزق الله أخبر الله جل ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المن والسلوى، وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور الذي لا قرار له في الأرض ولا سبيل إليه لمالكيه يتدفق بعيون الماء ويزخر بينابيع العذب الفرات بقدرة ذي الجلال والإكرام ثم تقدم جل ذكره إليهم مع إباحتهم ما أباح وإنعامه عليهم بما أنعم به عليهم من العيش الهنيء بالنهي عن السعي في الأرض فسادا والعثا فيها استكبارا فقال جل ثناؤه: لهم { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } القول في تأويل قوله تعالى: { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } يعني بقوله { لا تعثوا } لا تطغوا ولا تسعوا في الأرض مفسدين كما: حدثني به المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } يقول: لا تسعوا في الأرض فسادا.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } لا تعث لا تطع. حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي لا تسيروا في الأرض مفسدين. حدثت عن المنجاب قال حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } لا تسعوا في الأرض وأصل العثا شدة الافساد بل هو أشد الافساد يقال منه عثى فلان في الأرض إذا تجاوز في الافساد إلى غايته يعثى عثا مقصور وللجماعة هم يعثون وفيه لغتان أخريان أحدهما عثا يعثوا عثوا ومن قرأها بهذه اللغة فأنه ينبغي له أن يضم الثاء من يعثو ولا أعلم قارئا يقتدى بقراءته قرأ به ومن نطق بهذه اللغة مخبرا عن نفسه قال عثوت أعثو ومن نطق باللغة الأولى قال عثيت أعثى والأخرى منهما عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا كل ذلك بمعنى واحد ومن العيث قول رؤبة بن العجاج:
وعاث فينا مستحل عائث
مصدق أو تاجر مقاعث
يعني بقوله عاث فينا أفسد فينا..
نامعلوم صفحہ