جامع البيان في تفسير القرآن
جامع البيان في تفسير القرآن
أجدك لن ترى بثعيلبات
بمعنى: أجدك لست براء، فرد «متداركا» على موضع «ترى» كأن «لست» والباء موجودتان في الكلام، فكذلك قوله: { وإذ قال ربك } لما سلف قبله تذكير الله المخاطبين به ما سلف قبلهم وقبل آبائهم من أياديه وآلائه، وكان قوله: { وإذ قال ربك للملئكة } مع ما بعده من النعم التي عددها عليهم ونبههم على مواقعها، رد إذ على موضع: وكنتم أمواتا فأحياكم لأن معنى ذلك: اذكروا هذه من نعمي، وهذه التي قلت فيها للملائكة. فلما كانت الأولى مقتضية «إذ» عطف و«إذ» على موضعها في الأولى كما وصفنا من قول الشاعر في «ولا متدارك». القول في تأويل قوله تعالى: { للملئكة }. قال أبو جعفر: والملائكة جمع ملك، غير أن واحدهم بغير الهمز أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز، وذلك أنهم يقولون في واحدهم ملك من الملائكة، فيحذفون الهمز منه، ويحركون اللام التي كانت مسكنة لو همز الاسم.
وإنما يحركونها بالفتح، لأنهم ينقلون حركة الهمزة التي فيه بسقوطها إلى الحرف الساكن قبلها، فإذا جمعوا واحدهم ردوا الجمع إلى الأصل وهمزوا، فقالوا: ملائكة. وقد تفعل العرب نحو ذلك كثيرا في كلامها، فتترك الهمز في الكلمة التي هي مهموزة فيجري كلامهم بترك همزها في حال، وبهمزها في أخرى، كقولهم: رأيت فلانا، فجرى كلامهم بهمز رأيت، ثم قالوا: نرى وترى ويرى، فجرى كلامهم في يفعل ونظائرها بترك الهمز، حتى صار الهمز معها شاذا مع كون الهمز فيها أصلا. فكذلك ذلك في ملك وملائكة، جرى كلامهم بترك الهمز من واحدهم، وبالهمز في جميعهم. وربما جاء الواحد مهموزا كما قال الشاعر:
فلست لانسي ولكن لملأك
تحدر من جو السماء يصوب
وقد يقال في واحدهم: مألك، فيكون ذلك مثل قولهم: جبذ وجذب، وشأمل وشمأل، وما أشبه ذلك من الحروف المقلوبة. غير أن الذي يجب إذا سمي واحدهم مألك، أن يجمع إذ جمع على ذلك: مآلك، ولست أحفظ جمعهم كذلك سماعا، ولكنهم قد يجمعون ملائك وملائكة، كما يجمع أشعث: أشاعث وأشاعثه، ومسمع: مسامع ومسامعة. قال أمية بن أبي الصلت في جمعهم كذلك:
وفيها من عباد الله قوم
ملائك ذللوا وهم صعاب
وأصل الملأك: الرسالة، كما قال عدي بن زيد العبادي:
أبلغ النعمان عني ملأكا
نامعلوم صفحہ