جامع ابو الحسن البسيوی
جامع أبي الحسن البسيوي جديد
اصناف
ألا ترى إلى قوله: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}، وقد كلفوا ذلك فلم يفعلوه.
فأما القوة التي يقع بها العمل فلا خلاف بأنها صفة عرض، وذلك لا يقوم بنفسه ولا يثبت وقتين، فليس ما اعتلوا به بشيء، وقد أكمل الله عقولهم وأجسامهم وكلفهم، فلم يستطيعوا أن يعملوا بالإيمان إذا لم يعطوا القدرة عليه؛ لأنهم لم يكونوا مرضى ولا فقراء.
فإن قال: فقوله: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}، وقال: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها}، فلا يقع التفريط إلا مع الإمكان؟
قيل له: إنما تحسروا على ترك الحق وعدم قبوله، ولم يستطيعوا العمل به لركونهم إلى غيره من عمل المعاصي؛ لأنهم لا زمناء ولا مرضى، وقد جعل الله لهم عقولا وأجساما محتملة للكلفة، ولم يستطيعوا القبول إذ لم يرزقوا التوفيق، /117/ وإنما تحسروا على ترك ما أمروا به، ولركوبهم ما نهوا عنه، لا على الاستطاعة.
ولو كان الله لم يجعل لهم حركات محدثة، وإنما كان ذلك منهم؛ لكان إذا طمس على أعينهم قدروا أن يبصروا، فلما لم يقدروا على ردها، وكان الله تعالى هو المحدث لها، والسمع والأبصار والأفئدة كلها أعراض وهو غير الجسم، وإنما حدثت بعد إذ لم تكن في حال.
ولما كان تقع الأعراض حركات في حال الأفعال علمنا أن الله يحدثها في كل حال مما يشاء، وقد قال في الكفار: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها}، وقد كانوا يبصرون الطريق ويسمعون الكلام، ولكن ذلك أنهم لم يقبلوا الحق، وقد كلفوا ذلك وقبلوه فلم يستطيعوا سمعا.
صفحہ 162