الدليل على ذلك قول الله عز وجل: { ?ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله } (¬1) مدحهم (¬2) الله تعالى بإنفاقهم لأموالهم إذا كانت المقاصد لله عز وجل، وقال عز وجل في موضع آخر: ? { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } (¬3) فذمهم بالإنفاق؛ لأنهم لم يقصدوا الله جل ذكره بها. وقد استوى الإنفاقان في الظاهر، وهذا منفق وذلك (¬4) منفق، حصل أحدهما طائعا بالإخلاص والقصد إلى الله جل وعز، والآخر عاصيا لتعريه من هذه الحال (نسختين) هذه الحالة مع تساويهما في الإنفاق. وأيضا فإن الإنسان لو أصبح غير ناو للصوم واشتغل عن الأكل والشرب، والمنكح حتى غربت الشمس لم يستحق اسم صائم ولا يسمى مطيعا؛ لأنه معرى عن الإمساك مع النية، وما أتاه فهو صورة الصوم، ولو تقدم هذا الإمساك بنية من الليل لسمي مطيعا واستحق اسم صائم؛ وإذا كان هذا هكذا فقد صح أن هيئة الفعل وصورته لا تدل على طاعة ولا معصية، وقد الله تبارك وتعالى: { ?ليبلوكم أيكم أحسن عملا } (¬5) ، فالإنسان إذا لم يعمل ما أمر به بقصد واختيار لم يسم مطيعا، وإنما يسمى (¬6) المطيع مطيعا أن يرقب أمر المطاع فيأتيه امتثالا لأمره، فحينئذ يستحق اسم مطيع. وقد أجاز أبو حنيفة الطهارة بغير نية مع إجازته للقياس والقول به، والأولى لمن قال بالقياس أن لا يجيز الطهارة إلا بالنية؛ لأن التيمم عنده بدل من الطهارة، وقد قامت الدلالة عنده أن هذا البدل لا يجوز إلا بقصد ونية، فالذي أبدل منه أولى أن لا يجوز إلا بنية. وإذا كان هذا هكذا وجب إحضار النية للطهارة وسائر العبادات بظواهر الأدلة التي ذكرناها، وبالله التوفيق.
¬__________
(¬1) الإنسان: 8 9.
(¬2) في (ج) فمدحهم.
(¬3) النساء: 38.
(¬4) في (ج) وذاك.
(¬5) هود: 7.
(¬6) في (ج) سمي.
صفحہ 182