Jami' Turath al-Allamah al-Albani fi al-Manhaj wa al-Ahdath al-Kubra
جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى
ناشر
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
پبلشر کا مقام
صنعاء - اليمن
اصناف
جامع تراث العلامة الألباني في المنهج
والأحداث الكبرى
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة
1 / 2
جامع تراث العلامة الألباني في المنهج
والأحداث الكبرى
صَنَعَهُ
د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
(المجلد الأول)
[مقدمات تعريفية بالمنهج السلفي-فهم السلف-التصفية والتربية]
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
أنا أفخرُ بأن الله ﷿ يَسَّرَ لي معرفة السلف الصالح .. علمهم .. وفقههم .. وسلوكهم .. وأن أسعى لأكون على خطاهم ..
أفخر أنا بهذا ...
الألباني
1 / 5
المقدمة
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا هو العمل الثاني من مشروعنا "موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني"، وقد خَصَّصْنَاهُ لجمع المسائل المنهجية من تراث العلامة الألباني بالإضافة إلى كلامِهِ في الأحداثِ الدولية الكبرى التي عاصَرَها، وأسمَيناه "جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى".
والحقُّ أنَّ هذا العَمل لا نُقدِّمُه لأبناءِ عصرِنا فحسب، بل نقدمه للتاريخ! فالآراء والأفكار الوارِدة في هذا الكتاب ستبقى -بإذن الله- نبراسًا تستنير به الأجيال ما دامت السموات والأرض، وستبقى شاهدةً على تجربةٍ نادرةٍ من نوعها، لإمامٍ فَذّ قَلَّما يجود الزمان بمثله .. عاش همومَ أمَّتِه وامتزجَ بها، واحترقَ قلبُه كمدًا لما أصابها من وَهَنٍ وضَعْف .. فُتِحت عيناه على جيلٍ تائهٍ من أبناء أُمَّتِه .. يتخبَّطون بين ظُلمات الشُّبُهات والشَّهوات .. يتساءلون: أين السبيل؟ ! .. ويتلمَّسون بصيصًا من نُورٍ يأخذ بأيديهم إلى حيث ينبغي أن يكونوا ليعودوا بأمتهم إلى حيث ينبغي أن تكون! .. فسخَّره الله لهم ناصحًا وموجهًا، مستخلصًا عصارة عشرات السنين من الاطِّلاع على كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه ﷺ، والتأمُّل في طريقة السلف أصحاب الحديث، وسيرة أئمة الإسلام على مرِّ العُصُور، ليُبَصِّرِ أبناء أمته بـ (منهجٍ) يعود بهم وبأمتهم إلى قِمَّةٍ كان الرعيلُ الأول قد اعتلاها يومًا ما في الزمن الغابر، ثم ضَيَّع من جاء بعدهم طريقهم
1 / 6
ونهجهم فسقطوا سقوطًا مدويًّا ..
ولم يَدَّعِ الألبانيُّ يومًا أن هذا المنهج الذي وضعه لأبناء أمته هو من بنات أفكارِه بل كان دائمًا ما يُصرِّح بأن ما نَذَرَ حياته للدعوة إليه هو ذلك الخط المستقيم الذي رسمه النبي ﷺ يومًا لأصحابه، وأن ما نذر حياته للتحذير منه هو تلك الخطوط التي رسمها النبي ﷺ إلى جانب الخط الأول تاليًا قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)!
إلا أنَّ هذا المنهج الذي وَضَعَهُ العلامةُ الألباني لأبناءِ أمَّتِهِ لم يُجمع شتاته ويُرتَّب في كتابٍ مُستقلٍّ يكون أصلًا في معرفته والاطِّلاع عليه، فبقي ذلك حائلًا يحول دون معرفة حقيقة منهجه لكثيرٍ من الناس.
ثمَّ كان من فضل الله تعالى ومِنَّتِهِ علينا أن سخَّر لنا أسبابَ ذلك فجاء اليوم الذي نُقَدِّم فيه ذلك المنهج في حُلّةٍ قشيبة، بعد أن جمعنا شتات كلام العلامة الألباني حول المسائل المنهجية من عشرات المصادر المكتوبة والمسموعة، ثم رتبناه ترتيبًا متناسقًا، ليصل إليك هذا الجهد أخي القارئ الكريم في هذه الصُّورة التي بين يديك.
1 / 7
شكر وتقدير
أود في هذا المقام أن أتوجه بشكر خاص إلى الإخوة الأكارم الذين قاموا تحت إشرافي بتفريغ المواد الصوتية من تراث الشيخ الألباني لأقوم بمقابلتها على أصولها وتصحيحها وتنقيحها وإدراج المادة المطلوبة في مواضعها من الموسوعة.
وأن أتوجه بالشكر إلى الأخ الكريم فؤاد الزيلعي الذي قام بجهد مشكور كعادته في تنسيق الكتاب ومراجعته وإخراجه.
وإلى الأخ الكريم فهد اللحجي الذي ساعدني في مرحلة المراجعة النهائية للكتاب.
والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
1 / 8
مع القراء وإليهم
أحمدُ الله تعالى على ما كَتَبَ من قَبولٍ للعمل الأول من هذه الموسوعة "جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة" بين أوساط أهل العلم وطلابه، فقد وصلتني عشرات الرسائل على الجوال الخاص وعلى البريد الإلكتروني من بلدان شتَّى تُبارك لهذا العمل وتَشُدُّ على يدي لإنجازه كاملًا، فأشكر كل من راسلني وشجعني لإنجاز هذا المشروع.
كما أحمد الله تعالى على ما كتب من انتفاع بالعمل الأول من الموسوعة "جامع العقيدة" حتى إنه قد قام كثير من الإخوة من جنسيات مختلفة بترجمة مواضع متفرقة منها بلغات عدة، وأخص بالذكر منهم أخي: أحمد أبوتراب البريطاني فقد كانت عنده همة عالية في ترجمة مواضع كثيرة من الموسوعة إلى اللغة الانجليزية قام بنشرها في موقعه المبارك (١)، أسأل الله أن يبارك فيه وفي جهوده، كما تُرْجِمت مواضع من الموسوعة إلى الأندونوسية، والفرنسية، والإسبانية، والتركية، والألبانية، والصينية وغيرها ..
ومن الجهود النافعة التي حمدت الله على تيسيرها لطلاب العلم ومحبي العلامة الألباني بتوثيق المسائل المنقولة من الأشرطة بالدقيقة والثانية، أنه قد
_________
(١) www.thealbanisite.com
1 / 9
قام كثير من الإخوة باستخراج مسائل هامة بصوت العلامة الألباني من الأشرطة ليضعها في (فلاش دعوي) مصحوبة بتفريغ كلامه مُستفادًا من كتابي وترجمته إلى لغات أخرى أحيانًا .. إلى غير ذلك من جهود مشكورة لمحبي العلامة الألباني في نشر علمه وتراثه بالاستفادة من جهدنا والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
هذا وقد استأذنني كثير من المهتمين بتراث الشيخ عن طريق الاتصال بي أو مراسلتي في الاستفادة من جهدي في الموسوعة والنقل منها وترجمتها إلى غير ذلك، فأردت أن أنبه هنا على أن هذا العمل هو في أصله عمل خيري يهدف إلى خدمة تراث الشيخ الألباني وتقريبه فلا مانع عندي من أن يُستفاد من جهدي بأي وجه من الوجوه بشرط أن يُتقى الله في نقل كلام العلامة الألباني أو ترجمته على الوجه، ولهذا فقد قمتُ بتحميل نسخة خيرية من جامع العقيدة بنفسي على الانترنت، ولولا أن نفقات المشروع كبيرة ولا يوجد كافل له لذلك اضطررنا أن نطبعه طبعة تجارية بكميات قليلة لنغطي النفقات، وإلا لكان أحب إلي أن تُطبع الموسوعة طَبَعَات خيريَّة وتوزع مجانا على طلاب العلم والمراكز الإسلامية والجهات المهتمة بتراث الشيخ.
1 / 10
جامع المنهج
كنتُ قد بينتُ في مقدمة جامع العقيدة الطريقة التي سلكتُها في جَمْعِ هذه الموسوعة، وذكرتُ المصادرَ التي استقرأتُها لذلك، مع بيان منهجي فيها بإطناب، فحسبي هنا أن أُنَبِّهَ على بعض الجوانب الهامَّة الخاصَّة بجامع المنهج:
١ - كنت على وشك كتابة مقدمة تعريفية بمصطلح (المنهج) ودلالاته، فقد لاحظت أن مصطلح المنهج يعتريه لغط كثير في فهمه خاصةً عند من يلهج بذكره والانتساب إليه! ! لكن رأيت تأجيل ذلك إلى قسم الدراسة.
٢ - هناك ترابط في كثير من المواضيع بين جامع المنهج وجامع العقيدة، فجامع المنهج يعد مكمِّلا لما ذكر في جامع العقيدة في هذه المواضيع، فمن ذلك:
- أننا أفردنا كلام الشيخ على الفِرَق المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة في جامع المنهج، وكان قد سبق الكلام على عقائدها في جامع العقيدة في مواضع متفرقة، فأوردنا جملة من عقائد الصوفية في أبواب التوحيد والشرك، كما أوردنا جملة من عقائد المرجئة والخوارج في أبواب الإيمان والكفر، وجملة من عقائد الجهمية والمعتزلة والأشاعرة في أبواب الأسماء والصفات، وجملة من عقائد الجبرية والقدرية في أبواب القضاء والقدر، مع بيان ضلال عقائدهم والرد عليها، فما ذكرناه من كلام على هذه الفرق في جامع المنهج يعد مكمِّلًا لما هو مذكور في جامع العقيدة حول هذه الفرق.
1 / 11
ومن ذلك أننا سبق وأن أفردنا الكلامَ على مصادر الاستدلال عند أهل السنة والجماعة في جامع العقيدة وهو جانب مهم من أصول الدعوة السلفية.
- لذا فعلى من أراد أن يأخذ صورة متكاملة عن المسائل الواردة في موسوعة المنهج أن ينظر إذا كان لهذه المسائل تعلق بالعقيدة فيكملها من هناك.
٣ - ترددتُ كثيرًا في إضافة كلام الشيخ على الأحداث الكبرى التي عاصَرَها كالجهاد الأفغاني، والقضية الجزائرية، وحرب الخليج الثانية، وغير ذلك إلى جامع المنهج من عدمه بأن أجعل ذلك في كتاب مستقل، ثم استقر الأمر عندي على إضافته لجامع المنهج لما ظهر لي من أن أصول الشيخ المنهجية انعكست على آرائه في هذه الأحداث الكبرى، فآراء الشيخ في العمل السياسي انعكست على رؤيتة للقضية الجزائرية، وآراؤه في مسائل الجهاد انعكست على رؤيته للقضية الأفغانية وحرب الخليج الثانية وهكذا.
1 / 12
كلمة أخيرة
أرجو أن يكونَ هذا العمل الذي تعبتُ على جمعِه وترتيبِه وإخراجِه مُفتاح خيرٍ لكل من اطَّلَع عليه من أبناءِ ديننا، أيًّا كان منهجه أو مشربه، ومهما بعُدت بيننا وبينه المسافات، فلم يدفعْنا لإخراج هذا العمل إلا الرَّحمة والشَّفقة بأقوامٍ نحسبُهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه مما نعتقده حقًّا، وهانحن اليوم نقدِّم لهم شيئا من ذلك لعلَّ الله يجمعنا على كلمةٍ سواء ...
ولعلَّ هذا العمل كذلك يكون مفتاحَ خيرٍ لإخوانٍ لنا بغَوا علينا وعلى أبناء ديننا، وتعدوا حدود الله فينا وفيهم، ونَصَّبُوا أنفسهم -بغير وجه حق- حُكامًا على من انتسب للإسلام والسنة ... وهم وإن كانت لهم جهود لا تُنكر في نَشْر العقيدة الصحيحة، والدِّفاع عن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة، والرد على الأفكار المنحرفة، إلى غير ذلك من جهود علمية ودعوية لا ينكرها إلا جاحد، إلا أنهم سلكوا مَسلكًا طالما حَذَّر منه العلامةُ الألباني، فانحرفوا بالدعوة وأدخلوا طلابهم في نَفَق مظلم لا نهاية له.
- إنهم أقوام أضحت الدعوة السلفية التي هي دوحة الإسلام الخضراء التي نأمل أن يستظلَّ بها أهل الإسلام من لفحات الشرك والبدع والخرافات .. قد استحالت في أيدي هؤلاء إلى سهام مسمومة يحاول كلٌّ منهم أن يصيب بها كبد أخيه فلا يخطئها ..
- أناسٌ تضيقُ بهم مذاهب القول، وتُغلق في أوجههم أبواب العلم، فيلجؤون
1 / 13
إلى الحديث عن الناس، وتتبع عثراتهم، ويحاولون أن ينبشوا دفائن صدورهم، ويتغلغلوا في أطواء أسرارهم ..
- لا يهدؤون ساعةً عن تصديع رؤوسنا وتمزيق أفئدتنا بصواعق التبديع التي يمطرونها كلَّ يوم من سماء منهجهم العطن ..
- أناسٌ قد هان عليهم أمرَ الظُّلْم، حتى إنك لتجد الرجل المنصف فتحكي عليهم أمره، وتعرض عليهم سِرَّه، وتظرفهم بحديثه، وتمتعهم بأخباره، كأنك تعرض شيئًا من عجائب المخلوقات، أو نوعًا من خوارق العادات، أو ضربًا من أسرار الكائنات ..
- يسمع أحدهم كلمة حقٍّ من صاحبه، ويعتقد أنها كلمة حق، ولكنه يبغضه فيبغض الحق لأجله، وينبري للرد عليه بحُجج واهية، وبدعوى الدفاع عن المنهج ..
- إذا ابتُليت بشاعرٍ من شعرائهم، أنشأ يترنَّم أمامك بقصيدةٍ من قصائد التبديع تشعر كأنَّما يجرعك السمَّ قطرةً قطرة، حتى إنك تتمنى أنْ لو ضربك بها جملة واحدة على أُمِّ رأسك يكون فيها انقضاء أجلك فيريحك من هذا العذاب الذي سماه شعرًا، ويزيح عن كتفك هذا العناء الذي سماه نظمًا ..
- وإن كثيرًا من الكلام الذي أودعوه كتبهم ورسائلهم، وأمطروه على آذان مستمعيهم، لو مسخه الله شيئًا غير الحروف لطار ذبابًا على وجوه القُرَّاء والمستمعين ..
- إذا رأيت الجاهلَ فيهم مُقَدَّمًا، والسفيه فيهم موقَّرًا، فسوَّلت لك نفسك أن تسأل أحد أتباعهم مستفهمًا مستنكرًا عن السر الخطير وراء هذا التقديم والتقدير، لجحظت عيناه فيشعرك أن الله قد خلقه في هذه الدنيا لتدقيق النظر، ثم تشعر وكأن تيارًا كهربائيًّا قد سرى من نفسه إلى يده، فتشنجت أعصابه وتصلَّبت
1 / 14
أنامله وتجمدت أطرافه، ليهمس في أذنيك قائلًا: الأخ قوي في المنهج! !
- يقدمون أجهلهم ثم يكذبون الكذبة ويصدقونها فيصبغون عليه الأوصاف والنعوت فهو: الشيخ، العلامة، المحدث، الفقيه، الأصولي، المحقق، المدقق، ال ..، ال ..، ال ..، (فما أكثر أسماء الهر وما أقله بنفسه!) ..
- ثم لا يلبث جاهلهم أن (يعيش الدور) كما يقولون في مصر، أو (يصدق حاله) كما يقولون في الشام، أو (يسوي لنفسه زحمة) كما يقولون في اليمن، فيتصدر المجالس مبدعًا مفسقًا سابًّا وشاتمًا ..
- اخترعوا أصولا من عند أنفسهم جعلوها أصول دعوتنا، وقواعد من بنات أفكارهم سموها قواعد منهجنا، فإذا ما تأملت وجدت أصولهم بحاجة إلى أصول، ووجدت قواعدهم معلقة في الهواء تصيح: أين القواعد؟ !
- يجتمع أحدهم مع شيطان هواه في ليلةٍ لا قمر فيها ليخرج علينا ضُحًى ببيان تبديع موسوم بأنه بإجماع أهل السنة، وقد احترنا في معرفة أي إجماع هذا الذي يوصف به قول الرجل والرجلين، إلا أن يكون إجماع إخواننا من أهل السنة في عالم الجن .. ولكننا نُجِلُّهم عن ذلك! !
- بدع أحدهم مع مريديه (في مزاد تبديعي) مائة نفس في ساعة واحدة (بمعدل رجل ونصف في الدقيقة)! ولا أدري لماذا لم يتم التواصل مع موسوعة جينز للأرقام القياسية لتسجيل هذا الحدث التبديعي القياسي الأول من نوعه؟ !
- إذا ما جالست أحدهم غبطت أبا العلاء المعري الذي قال يومًا: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي، إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء ..
1 / 15
- ما من كلمة لخصمهم إلا لها عندهم ابنة عم وابنة خالة .. يحجبها المتكلم وراء جدران ألفاظه .. هم وحدهم قادرون على هتك سترها، وإخراجها من خدرها ..
- العبرة عندهم بما يهجس في خواطرهم، لا بما هو الحق والواقع ..
- لا يستحضرون من قاموس العربية إلا: يقصد ويريد، وينوي ويكيد ..
- لم يفقهوا أن أولى الناس بالحكم على الأشخاص هم أهل العلم والورع التام، وأبصر الناس بالمحكوم فيه، فإن تخلَّف شئ من ذلك فإن حكمه هو في نفسه خصومة تحتاج إلى من يحكم فيها ..
- يُقَرِّبُ شيخٌ فاضل أحدَهم يعلمه ويربيه .. فإذا اشتد ساعده طعنه ورماه .. يحوطه ويُدنيه .. فإذا قال قافيةً ثَلَبَهُ وهجاه ..
- توجهوا لأهل العلم والفضل بالتبديع والتجريح، فيظن أحدهم أنه يستطيع بمقالةٍ عرجاء، أو كلمةٍ مقعدةٍ أن يهدم شيئًا هو بين أوله وآخره كعود من القش يؤتى به لاقتلاع جبل من أصوله ..
- ولعلي أتوقف عن وصفهم عند هذا القدر فقد سئمهم قلمي وسئمتهم ..
- وقد طلقتُ أخبارهم طلقة بائنة منذ زمن إلا أن أخبارا وصلتني - قَدَرًا- مفادها أن الدائرة -دائرة التبديع- قد دارت بين كبرائهم في ديارنا اليمنية وخارجها، وأخشى ما أخشاه أن يبدع كلٌّ منهم نفسه بعد أن بدَّعوا الدنيا من حولهم ..
-ولعله من بركة هذا الجامع أخي القارئ الكريم أنه احتوى على عدد كبير من توجيهات الشيخ ﵀ لغلاة التبديع والتحذير من طريقتهم وبيان انحرافهم بالدعوة السلفية عن طريقها الحقيقي.
- ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر إلى شيخنا الفاضل أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المأربي حفظه الله ورعاه وسدد خطاه، فقد مَنَّ الله عليَّ بمجالسته والانتفاع بنصحه وتوجيهه في وقت - وسِن- هو لطالب
1 / 16
العلم مفترق طريق، إما أن يختار لنفسه طريق طلب العلم، والبحث والاستقراء، والتنقيب والتفتيش، وخدمة تراث أمتنا وأئمتنا، والانتصار لأهل الحديث والأثر، والذب عن السنة وحياضها ..
وإما أن ينخرط في حزبيات بغيضة وولاءات ضيقة، أو ينشغل بتتبع عورات الناس والانتقاص من أهل العلم والفضل، أو يتسكع على مقاهي التبديع، أو أن يضيع عمره على مواقع السب والتجريح ..
ناهيك عن سعة صدره لتقبل خلاف طلابه له بل وتشجيعهم على ذلك، فكم خالفناه - ونخالفه- وإن كنَّا لا نضاهيه علمًا وقدرًا وخبرةً وتجربةً، فيتقبل منا ذلك بصدره الرَّحب، وكم من مجالس يعقدها لمناقشة طلابه في بعض المسائل لينهي المجلس بقوله: هذا رأيكم وهذا رأيي، أو هذا ما ظهر لي لكن لعلي أعيد النظر في المسألة، في صورة مُشرقة لسعة الدعوة السلفية ومرونتها، فأين هذا من طريقة أولئك الذين نَصَّبوا أنفسَهم أوصياء علينا وعلى دعوتنا، ولسان حالهم مع مريديهم: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
فأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يطيل في عمره ويبارك في عمله وعلمه ودعوته، وأن يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وأن يحسن خاتمته ويجمعنا به في جناته.
وكتب
د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
في صنعاء اليمن حرسها الله
في ليلة الاثنين ١٧ من ذي الحجة ١٤٣٢ هـ
الموافق ١٣ نوفمبر ٢٠١١
1 / 17
مقدمة شيخنا أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني -حفظه الله- لأعمالنا
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فقد اطلعتُ على بعض المواضع من «سلسلة تحقيق المخطوطات الحديثية التي لم تُنْشَرْ من قبل» التي قامَ بها الشابُّ المبارك، والأخُ الوفي د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان-حفظه الله وأمَدَّ في عمره على الطاعة والنَّفع والبَركة- فحمدتُ الله ﷿ أن أوْجَد في إخواننا ودعوتنا وطلابنا من يَحْمِلُ هذه الهمَّة العالية والأهداف السامية، وتذكرتُ ما وصف به الحافظ ابنُ رجب الحنبلي-رحمه الله تعالى- علومَ أهلِ اليمن، فقد قال في «فضل علم السلف على علم الخلف» (ص ٥٧ - ٥٨): «وقد شهد النبيُّ ﷺ لأهلِ اليمن بالإيمانِ والفِقهِ، وأهل اليمن أقلّ الناس كلامًا وتوسُّعًا في العلوم، لكن علمهم عِلْم نافع في قلوبهم، ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك، وهذا هو الفقه والعلم النافع» أ. هـ.
وإن الذي ينظر في مؤلفات هذا الشاب الذي أكرمه الله بالهمة العالية، والذِّهن الوقَّاد، والصَّبر الدؤوب-ولا أزكيه على الله تعالى- ليعلم أنه جمع بين خيري: البركة في العلم، والسّعة في الإنتاج، نَعَم كم ترك الأولُ للآخر، وكم هي نعمة الله على عباده، وكم هي المعادن الخيِّرة في هذه الأمة، تلك الأمة المباركة، التي مثلها مثل المطر، لا يُدْرى أوّلُه خَير أم آخره.
1 / 18
فمن كان يتصور أن شابًا في أوائل العشرينات من عمره يحمل هذا الهم وتلك الهمة؟ ! أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، وتحته، وأن يصرف عنه العلائق والعوائق، والمشاغل والمشاكل التي تحول بين أهل الهمم وقضاء أوطارهم من تحصيل العلوم، وتصنيفها، وترتيبها، وتهذيبها، وتبويبها، والعمل بها، والدعوة إليها.
إن سلسلة تحقيق المخطوطات الحديثية التي لم تُنْشَر من قبل تملأ فراغات متعددة في المكتبة الإسلامية، وتُقرِّب للباحثين مصادر كم طالت حسرتهم بفقدانها، أو بعدم العثور عليها، وذلك لما تحويه هذه السلسلة من كتب لا يقدر قيمتها إلا طلاب العلم، وقد طبع منها حتى الآن كتاب «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» لابن قطلوبغا في تسع مجلدات، وكتاب: «قضاء الوطر من نزهة النظر» في ثلاث مجلدات لبرهان الدين اللقاني، وهاهو الآن قد أعدَّ للطباعة عددًا من الكتب والرسائل، فمن ذلك:
«التكميل في الجرح والتعديل» للحافظ ابن كثير أبي الفداء في أربع مجلدات.
و«تجريد الأسماء والكنى من كتاب المتفق والمفترق» للخطيب البغدادي، وتصنيف الفراء، وذلك في مجلدين.
و«مفتاح السعيدية شرح الألفية العراقية» لابن عمار المالكي، في مجلد.
ولا زال عمله-حفظه الله- جاريًا في «تجريد الوافي بالوفيات» للحافظ ابن
1 / 19
حجر، وهو تهذيب للوافي بالوفيات للصفدي، مع إضافات واستدراكات للحافظ، كما هو معلوم من المنهج النقدي الذي تميز به الحافظ-﵀ ويتوقع أن يكون في ثمان مجلدات، وكذا «ترتيب ثقات ابن حبان» للهيثمي، ويتوقع أن يكون في عشر مجلدات، وكذا «الكمال في أسماء الرجال» للمقدسي، ويتوقع أن يكون في عشر مجلدات، وغير ذلك من أعمال تُنْبئ عن مستقبل زاهر بالعطاء والنتاج العلمي الفذِّ-ولا نزكي على الله أحدًا-.
هذا، ولو اطلع القارئ على جهد المؤلف الموسوعي في موسوعة علوم الشيخ الهمام، محدث العصر، وجوهرة الدهر، شيخنا محمد ناصر الدين الألباني-﵀ وأجزل له العطاء والمثوبة- لعلم المنَّة اليمانية في رقاب علوم السنة المحمدية عبر القرون الحاضرة واللاحقة، وقد صدر من هذه الموسوعة نحو تسع مجلدات في باب العقيدة، ولا زال العمل مستمرًا في بقية علوم الشيخ-﵀ بما يتوقع أن يبلغ ذلك نحو ثلاثين مجلدًا- إن شاء الله تعالى- ناهيك عن ترجمة بعض هذه الجهود بعدة لغات، وذلك عبر مركز النعمان للبحوث والدراسات والترجمة الذي أنشأه أخونا المبارك أبو حفص شادي بن محمد بن سالم النعمان حفظه الله.
هذا، وقد كنتُ أتوقَّع أن يقوم بهذه الخدمة الجبارة لعلوم شيخنا الألباني-﵀ أحد كبار الدعاة في الشام، ولكن السبق إلى الخيرات ليس بغريب على أهل اليمن، كما لا يخفى، وإن دلَّتْ هذه الجهود المشار إليها في هذه المقدمة على شيء؛ فإنما تدل على عناية طلاب العلوم الشرعية في اليمن بعلوم أئمتنا السابقين واللاحقين، وحِرْصهم على الفائدة والإفادة من حيث جاءت،
1 / 20