جمع الجواهر في الملح والنوادر
جمع الجواهر في الملح والنوادر
وقبّلت أفواهًا عذابًا كأنها ... ينابيع خمرٍ حصّبت لؤلؤ البحر
وقال:
تعلك ريقًا يطرد النوم برده ... ويشفي القلوب الحائمات الصواديا
وهل ثغبٌ حصباؤه مثل ثغرها ... يصادف إلاّ طيّب الطعم صافيا
وقال:
وما تعتريها علّة بشريّةٌ ... من النوم إلا أنها تتخثّر
كذلك أنفاس الرياض بسحرةٍ ... تطيب وأنفاس الورى تتغيّر
وقال ابن المعتز:
بأبي حبيبٌ كنت أعهده ... لي واصلًا فازورّ جانبه
عبق الكلام كمسكةٍ نفحت ... من فيه ترضي من يعاتبه
وقال العطري:
ذات خدين ناعمين ضني ... نين بما فيهما من التفاح
وثنايا وريقةٍ كغدير ... من عقارٍ وروضةٍ من أقاح
طرف وملح متفرقة
أكل الحجاج مع رجل بيضًا، فأقبل يأكل المح ويرمي إليه بالبياض؛ فقال الرجل: أيها الأمير؛ عدل العجة.
وكان بعض الأكاسرة يتطير، فلقيه رجل أعور، فأمر بحبسه، فأقام مدة ثم أطلقه فتعرض له فقال: لم حبستني؟ قال: تشاءمت بك. قال: فأنت أشأم مني؛ خرجت من قصرك فلقيتني فلم تر إلا خيرًا؛ وخرجت أنا فلقيتك فحبستني. فقال الملك: صدق وأمر له بصلة.
قال رجل لأحدب: لئن رفستك لأقيمن حدبتك! قال: إنك إذًا لعظيم البركة علي.
قال الفضل اليزيدي: كان محمد بن نصر بن منصور بن بسام أشد الناس همة وآلة وغناء، وكان ناقص الأدب، وكنت أختلف إلى ولده علي يقرأ علي الشعر؛ فدخلت يومًا وهو يشرب وعنده عبد الله بن محمد بن إسحاق، وكان مثله في الجهل، وقد مدت الستارة فغنت القينة:
ألا حيّ الديار بسعد إني ... أُحبّ لحبّ من سكن الديارا
أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا
فقال عبد الله بن محمد بن إسحاق لمحمد: لولا جهل الأعراب ما جرى ذكر السعد هاهنا. فقال له محمد: لا تفعل، فإنه يقوي معدهم ويصلح أسنانهم.
وكان علي بن محمد مليح المقطعات، حلو الشعر، خبيث الهجاء، وليس له حظ في التطويل، إنما يسنح له المعنى، فإذا أراد أن يركب عليه معنى آخر استهدم بناؤه، وهو القائل في أبي يحيى المنجم يرثيه:
قد زرت قبرك يا عليّ مسلّمًا ... ولك الزيارة من أقلّ الواجب
ولو استطعت حملت عنك ترابه ... فلطالما عنّي حملت نوائبي
ودمي فلو أني علمت بأنه ... يسقي ثراك سقاه صوب الصائب
لسكبته أسفًا عليك وحسرة ... وجعلت ذاك مكان دمعٍ ساكب
ولئن ذهبت بملء قبرك سؤددًا ... لجميل ما أبقيت ليس بذاهب
وقد أنشد هذه الأبيات أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري لغيره. وقال:
كم قد قطعت إليك من ديمومةٍ ... نطف المياه بها سواد النّاظر
في ليلة فيها السّماء مرذّة ... سوداء مظلمةٌ كقلب الكافر
وقال في جحظة البرمكي:
يا من هجوناه فغنّانا ... أنت، وبيت الله، أهجانا
سيّان إن غنّى لنا جحظةٌ ... أو مرّ مجنونٌ بنا فزنّانا
وقال في المعتضد وقد ختن ولده:
انصرف الناس من ختانٍ ... يرعون من جوعهم خزامى
فقلت لا تعجبوا لهذا ... فهكذا تختن اليتامى
وقال يستطرد بالمعتضد:
وعدت بوعدٍ فأخلفته ... وما كان ضرّك ألاّ تعد
تحبّ الثّناء وتأبى العطاء ... وما تمّ ذلك للمعتضد
وقال في العباس بن الحسن لما ولي الوزارة:
وزارة العباس من نحسها ... تستقلع الدّولة من أُسّها
شبّهته حين بدا مقبلًا ... في خلعٍ يخجل من لبسها
خازنة الكسوة قد قدّرت ... ثياب مولاها على نفسها
وقال ابن بسام في أبيه، وكان مولعًا بهجائه:
خبيصةٌ تعقد من سكّره ... وبرمة تطبخ من قنبره
عند فتى أسمح من حاتمٍ ... يطبخ قدرين على مجمره
وليس ذا في كلّ أوقاته ... لكنه في الدعوة المنكره
مهاجاة بين ابن المعتز وابن بسام
وكان ابن المعتز يهاجيه، فمن ذلك قوله فيه:
1 / 84