162

جلیس صالح

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

تحقیق کنندہ

عبد الكريم سامي الجندي

ناشر

دار الكتب العلمية

ایڈیشن نمبر

الأولى ١٤٢٦ هـ

اشاعت کا سال

٢٠٠٥ م

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

المترفين وعدوان الْمُسْرِفين، فَجَاهد فِي سَبِيل ربه بِنَفسِهِ وَمن أطاعه من أَهله الْمُتَّقِينَ، وأوليائه من أماثل الْمُسلمين، وإخوانه فِي الملَّة والدِّين، وَأبْدى صفحته، وبذل فِي ذَاتَ اللَّه مَاله وصحبته، فَقضى اللَّه تَعَالَى لَهُ بالتوفيق والسعادة، وَختم لَهُ بالفوز وَالشَّهَادَة، وَنَقله إِلَى دَار كرامته، وَجعل أعداؤه بغرض الانقلاب إِلَى دَار عَذَابه ونقمته. حَدَّثَنَا ابْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاذِ الْمُؤِّدب خَلَف بْن أَحْمَد، قَالَ سَمِعت المازنيِّ ينشد: وَلرُبَّ ذِي مالٍ ترَاهُ مُبَاعدا ... كَالْكَلْبِ ينبحُ من وَرَاء البابِ وَترى الأديب وَإِن دَهَتْه خَصَاصَةٌ ... لَا يُسْتَخَفُّ بِهِ عَلَى الأبوابِ وَلَقَد أحسن ابنُ الرُّومِي فِي قَوْله: فَلا تفتخر إِلَّا بِمَا أَنت فاعلٌ ... وَلَا تحسبن المَجْد يُوَرثُ كالنّسَب وَلَيْسَ يَسُود المرءُ إِلَّا بِفِعْلِهِ ... وَإِن عَدَّ آبَاء كرامًا ذَوِي حَسَب إِذَا الْعُود لَمْ يُثْمِرْ وَإِن كَانَ شُعْبَةً ... من الْمُثْمِرات اعْتَدَّه النّاسُ فِي الحَطَب وَهَذَا بَاب يَتَّسِع وَيكثر جمعه، وَلنَا فِيهِ رِسَالَة تشْتَمل عَلَى جملَة كَثِيرَة مِنْهُ. خبر سَعْد الْعَشِيرَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبرنِي عمي، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْن الْكَلْبِيّ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: وَفَدَ سعدُ الْعَشِيرَة فِي مائَة من وَلَده إِلَى بَعْض مُلُوك حِمْير، وَكَانَ سعدٌ قَدْ عُمّر مائَة وَخمسين سنة، فَلَمّا دَخَلَ عَلَى الْملك قَالَ لَهُ: مَا مَعَك يَا سَعْد؟ قَالَ: عشيرتي، قَالَ: أَنْت سَعْدُ الْعَشِيرَة. فَسُمِّيَ سَعْد الْعَشِيرَة، قَالَ لَهُ الْملك: إِنَّهُ قَدْ بَلغنِي عَنْكَ رجاحةُ لُبِّ، ورصانةُ حِلم، وأصالة رَأْي، ونفاذٌ فِي الْأُمُور، مَعَ مَا جَرّبت من تصرف الدُّهور، فَهَل أَنْت مخبري عَمَّا أسائِلُك عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَيهَا الْملك: إِن عَقْلِي وقلبي مضغتان مني، حَرَاهما الدَّهْر كَمَا حَرَى سَائِر جسمي، وَلَكِنِّي أَبُو روية ثاقبة مَا خذلتني مُنْذُ أيدتني، فَلْيقل الْملك أسمع، فَإِن أوفّق للصَّوَاب فبِيُمْنِ الْملك، وَإِن يَخُنِّي الجوابُ، فبمَا ثَلَمَتْهُ مِنِّيَ الأحْقابُ، قَالَ لَهُ: يَا سَعْد! مَا صلاحُ الْملك؟ قَالَ: أَيهَا الْملك! مَعْدَلةٌ شائعة، وهيبة وازعة، ورعية طَائِعَة، فَإِن فِي المعدَلة حَيَاة الْأَنَام، وَفِي الهيبة نفي الظلام، وَفِي طَاعَة الرّعية التآلف والالتئام. قَالَ لَهُ الْملك: يَا سَعْد! فَمن أَحْمَدُ الْمُلُوك إيَالا، وَأَحْسَنهمْ عِنْدَ الرّعية حَالا؟ قَالَ: من كثرتْ فِي اصطناع الْمَعْرُوف رغبته، ومالت إِلَى الأضياف رَحمته، وتخول بالمراعاة رَعيته، واعتدلت بهيبته رأفته، قَالَ: يَا سَعْد! يُسْتَدرك عَنْهُ الْمُلُوك حُسْنُ المكانة؟ وتُستبدل مِنْهُ الفظاظة بالليانة؟ قَالَ: بالمبالغة فِي طَاعَته، والانتهاء إِلَى مَشِيئَته، ومجانية مسخطته، والتقرب إِلَيْهِ بموافقته، قَالَ: فَبِمَ تُؤْمَن سطوة الْملك ويُحتجب من بَوَادِر

1 / 166