وهذا الجنس من أجناس الجوهر يخص النفس على رأى الرواقيين أيضا إلا أن روح الطبيعة عندهم أرطب وأبرد وروح النفس أيبس وأحر. فتحصل أن هذا الروح هو هيولى خاصية للنفس وأما صورة هذا الهيولى فهو ضرب من ضروب المزاج يكون باعتدال الجوهر الهوائى والجوهر النارى، لأنه ليس يمكن أن يقال إن النفس هواء فقط، ولا إنها نار فقط، وذلك لأن بدن الحيوان لا يمكن أن يكون فى غاية البرودة ولا فى غاية الحرارة ولا يثبت على إفراط إحدى الجهتين على الإكثار. إذ كان متى أفرط عليه أحدهما وجاوز فيه الاعتدال إن كانت النار المجاوزة فيه الاعتدال حم. وإن كان الهواء برد برودة مفرطة وكمد لونه وعسر حسه، وذلك لأن الهواء فى نفسه عندهم بارد. فقد بان ووضح لك أن جوهر النفس على رأى الرواقيين يكون بمزاج ما من الهواء والنار. وإن خروسبس 〈صار الى الفهم من أجل اعتدال مزاجهما، و〉إنما صاروا الى الجهل والحمق بنو أبقراط الذين يشهدون بهم القومود وتخلطهما فيهم على غير الاعتدال، ولكن لعل بعض الناس يقول : فليس ينبغى إذن أن يمدح خروسبس على فهمه ولا يذمون أولئك على حمقهم وجهلهم، وكذلك أيضا فى أفعال النفس الغضيبة ليس ينبغى أن يمدح ذوى النجدة ولا يذم ذوى الجبن، وأيضا فى أفعال النفس الشهوانية لا ينبغى أن يمدح الأعفاء ولا يذم أهل الشره والشبق.
[chapter 5] (الباب الخامس فى رأى جالينوس فى النفس ونسبته إلى قول من قال إن جوهر العالم متصل كله أو منقسم، وفى زيادة القول فى العلاقة بين اليبوسة والفهم، وفى أمثلة أخرى على تأثيرات أمزجة البدن على النفس الفكرية أيضا)
وسف أفحص عن ذلك بعد قليل. وأما الساعة فإنى زائد على ما بدأت به ما يحتاج إليه بعد أن أقول: إنه ليس يمكن أن يوضح كل شىء فى كل موضع. وإنه لما كانت الأهواء فى الفلسفة عند قسمتها الأولى هويين وذاك أن بعض الناس رأوا أن الجوهر الذى فى العالم متصل كله، وبعضهم زعم أنه منقسم متجزئ بمشابكته للخلاء، رأينا أن الرأى الثانى ليس بحق بالدخل الذى لزم هذا الرأى مما وصفت فى كتابى فى الأسطقسات على رأى بقراط. وأما فى كلامى هذا فإنى لما اتخذت أصلا أن جوهرنا يتغير وأن المزاج الذى يكون له يعمل جسما واحدا طبيعيا، أوضحت أن قوام جوهر النفس بالمواج، متى لم يجعلها الإنسان ذاتا غير مجسمة يمكن فيها أن تكون موجودة خلوا من الجسم كما وصفنا أفلاطن. [وإن نحن وصفناها كذلك أيضا،] فإنا قد أوضحنا أيضا أنها إنما تفعل بمزاج البدن، وسأزيد على ذلك براهين أخر أيضا.
صفحہ 20