فلما أحس بهذا الغباء منهم أهل الخبث من الناس، لم يحتاجوا إلى أن يأخذوا أنفسهم بتعلم الطب والمهارة فيه والحذق به. وقصدوا لتصيد الأغنياء بالوجه الذى رأوا كل واحد منهم سريع الانقياد له، وهذا هو الوجه الذى به يصاد البهائم. فإن رأوا الأغلب على الموسر الذى يلتمسون ما قبله النساء، تأتوا له بباب النساء. وإن رأوا الغالب عليه العبيد، تأتوا له بباب العبيد. كما قد نجد كثيرا من الأغنياء قد خدعهم قوم من أصحاب الخدع والمخاريق ومن يدعى التكهن. وأكثر الأغنياء قد اعتادوا التملق ممن يغشاهم. وقصدهم فى جميع ما يصغون إليه ويفعلونه قصد اللذة. فيعرف ذلك منهم الخبيث من المتعاطين للطب فيستميلهم به رغبة منه فيما يلتمس أن يختدعه عن أخذ ماله. فإذا مرض ذلك الغنى فإن ذلك المتطبب لما يعرف من ميل صاحبه إلى اللذات، فليس يقصد به قصد أصلح التدبير له فى اجتلاب الصحة ، لكنه إنما يدبره بأوقع التدبير من نفسه وألذه عنده. على أنه لو أراد أصلح التدبير لما وقف عليه وقوفا صحيحا. وذلك أنه لم يكن قصده قصد استعمال صناعة الطب على ما ينبغى. وإنما يقصد بها اكتساب الأموال والعز والمرتبة فقط. فليس يطلب أحوط الطرق للمريض، لكنه إنما يطلب أحوط الطرق لهوى نفسه. وذلك أنه إذا سلك بمن هذه حاله هذا الطريق، إن سلم من مرضه كان قوله له أجزل الثواب. وإن مات لم يكربه موته لأنه يستريح ممن يخاف أن يذمه ويشكوه.
وبرومية شىء خاص ليس يوجد فى سائر المدن: أنه لا يكاد أن يعرف جيران الميت، فضلا عن غيرهم، كيف مات، ولا على يدى من أوتى من الأطباء. والسبب فى ذلك عظم المدينة وكثرة أهلها، وشدة حرصهم على طلب المال والجاه وتشاغلهم بهما. ولم أضع كتابى هذا لمن هذه طريقته: إذ كان لا يتفرغ لقراءة فضلا عما سوى ذلك لاتصال أشغاله. لكن إنما وضعته لمن يرى أن أمر بدنه أفضل وأهم إليه من جميع ما يملكه. أو إن لم ير أنه أفضل منه وأهم، رأى أنه ليس بدونه بكثير.
٢
صفحہ 46