١٠ فأما هذه العلل فإن حالات الأعضاء فيها ظاهرة بينة وأما ذات الجنب وذات الرئة وزلق الأمعاء والسرسام البارد والسرسام الحار فإن حالات الأعضاء فيه خفية لكن الأعراض الحادثة عنها واضحة وذلك أنا نجد المرضى عيانا يعرض لهم فيها اختلاط الذهن والسهر والألم وسوء التنفس والسعال والنقص الخارج عن الطبيعة فمن قال ان حالات الأبدان هى أسباب ماسكة لحدوث هذه الأعراض كان قوله أحوط من قول من قال على الإطلاق ان حالات الأبدان هى أسباب ماسكة لهذه الأعراض من غير أن يستثنى فيقول لحدوث هذه الأعراض أو تكونها فإن قول من قال ان حالات الأبدان أسباب ماسكة لحدوث الأعراض أو تكونها قول لازم للقياس فأما القول بأنها أسباب للأعراض التى تحدث أنفسها فغير واجب اللهم إلا أن يشاء إنسان أن يستعمل هذه العبارة على طريق الاستعارة كما قلت وأما أصحاب التجربة فإنهم يسمون ما وصلوا إلى معرفته بالحواس من الأشياء التى تعرض لنا ونحن مرضى عوارض وأعراضا وذلك لازم لمذهبهم وما كان من ذلك قد رآه قوم بعد قوم منهم مرارا كثيرة يكون أول حدوثه وتزيده بعد ومنتهاه وانحطاطه معا سموه مرضا وعلة واقتران فإن اسم الاقتران يدل عندهم على اجتماع ما لأعراض يكون حدوثها وتزايدها وانحلالها معا ومن عادتهم أن يسموا ما كان كذلك من الأعراض دلائل أيضا وبالحقيقة أنها دلائل لهيآت البدن التى هى غير ظاهرة وهى التى يسمونها هم أسبابا للأعراض الظاهرة إلا أنهم ليس يعتقدون بالحقيقة أنها تدل على الحالات وذلك أنهم ليس يعترقون أصلا بالمعرفة التى تقع على طريق الاستدلال بالظاهر على الخفى ولست أدرى كيف صار الجميع بأخرة إلى أن يسموا هذه المعرفة إدراكا فإن القول المستفيض الذى إحدى قضيتيه وهى الأولى أنه متى كانت دلائل كذا فأسبابها كذا والقضية الثانية متى كانت أسباب كذا فالعلاج كذا ليس يهواه أصحاب التجربة لكنهم أخذوا ما اتفق عليه من ذلك أصحاب القياس وألزموا أنفسهم القول بالأسباب كأنه أمر مطابق لقولهم فأما أصحاب القياس فإنه وقع بينهم أنفسهم اختلاف لا يحصل منه انتفاع فى أعمال الطب فقال بعضهم كما قلت ان الأمراض هى حالات الأبدان وقال بعضهم ان الأمراض هى أصناف الضرر الحادثة عنها فى الأفعال وإذ كان الفريقان متفقين على أن العلاج إنما يستخرج من قبل الحالات على طريق الاستدلال فقد يسهل عليك أن تعلم أن هذا الخلاف إنما هو فى باب من أبواب المنطق وأنه ليس ينفعنا ولا يضرنا فى أعمال الطب وذلك أنك وإن سميت حالات البدن أمراضا فإنك تفعل مثل ما يفعل من يسميها أسبابا للأمراض من أنك إنما تستخرج العلاج منها على طريق الاستدلال كما يستخرجه ذاك وتعد منه مثل ما يعده وتستعمله كما يستعمله
نامعلوم صفحہ