بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله
قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى , سعد بن منصور بن الحسن بن هبة | الله بن كمونة - عفا الله عنه , وأعفاه , على مراضيه - :
أحمد الله تعالى حمدا يقرب إلى جنابه الكريم , ويوجب المزيد من | فضله وإحسانه , واستغفره استغفارا يؤمن من عقابه الأليم , ويخلد في | الفردوس الأعلى من جنانه , وأسأله الهداية من صراط المستقيم , بإلهام الحق , | وإنارة برهانه , وأن يصلي على من بالملأ الأعلى , الحافين من حول العرش | العظيم , وعلى المصطفين , لإظهار التوحيد إعلانة .
وبعد : فقد اتفق أرباب العقائد العقلية , والديانات النقلية : أن | الإيمان بالله , واليوم الآخر , وعمل الصالحات , هو غاية الكلمات | الإنسانية . وبدونه لا يفوز الإنسان بالسعادة السرمدية , ولا ينجو من الشقاوة | الأخروية .
ومن الظاهر أن ذلك لا يتم تحصيله على الوجوه اليقينية لا الظنية , | وبالطرق البرهانية لا التقليدية , إلا بعلم الحكمة الذي هو استكمال النفس | الإنسانية بتحصيل التصورات والتصديقات , بالحقائق النظرية والعملية , وعلى | حسب الطاقة البشرية . |
صفحہ 145
وبالطرق البرهانية لا التقليدية , إلا بعلم الحكمة الذي هو استكمال النفس | الإنسانية بتحصيل التصورات والتصديقات , بالحقائق النظرية والعلمية , | وعلى حسب الطاقة البشرية .
وبهذا انقطع عذر من لم يرغب في تحصيله , ولم يدأب في تمهيد قواعده | وأصوله . فإن مكذب أهل الحكمة والتنزيل , مع عدم المستند والدليل , لا يعد | من أهل العقل والتحصيل . ويجب على المتردد العمل بالأحوط , وعلى المصدق | ألا يضل على علم عن سواء السبيل .
صفحہ 146
ولما كان الأمير الكبير الفاضل العالم العادل , عز الدين فخر الإسلام | والمسلمين , معتمد الدولة , فخر الملك , مفتخر العراقين , دولة شاه بن الأمير | الكبير , سيف الدين سنجر الصاحبي , بلغهما الله مبتغاهما , وأدام | أيامهما ) . ممن اطلع على شرف هذا العلم , بالمعيته الثاقبة , وآرائه | الصائبة , التمس مني تصنيف كتاب فيه ترسمه , فعملت هذا الكتاب في | أثناء ما قد الجئت إليه , من ملابسة الأمور الدنية , والشواغل الدنيوية , | مشتملا - مع اختصاره - على مهمات المطالب , وأمهات المسائل , متضمنا - مع | | الزيادات التي من قبلي - لخلاصة أفكار الأواخر , والباب حكمة الأوائل , | خاليا عما يقصر عن إفادة اليقين , من الحجج والدلائل , عاريا عن تحقيق مالا | يجدي تحقيقه بظائل .
فلا تجد في هذا الكتاب , إلا ما ينتفع به , في العلم بالله تعالى , | وتوحيده , وتنزيهه , وصفات جلاله , وعجائب مخلوقاته الدالة على : كبريائه | وعظمته , وبيان جوده وعنايته .
وفي إثبات الملائكة السماوية , والنفوس الأرضية , وإدراكاتها , وآثارها , | وبقائها بعد خراب البدن , وأبديتها , وتزكيتها , وما يعصمهما من الخطأ | والخذلان .
( وفي ) خصائص النبوة , والولاية , وحاد المعاد , والنشأة الثانية .
وبالجملة هو مشتمل على ما يعصم من الضلال , ومزلة أقدام الجهال , | ويسعد النفس في المال , بما تحلت به من الكمال .
وأقول - مع اعترافي بتقصيري , وقلة بضاعتي من العلم - : أنه لا يعرف | محل هذا الكتاب , إلا المحقق , الذي طال نظره في الكتب السابقة عليه .
وقد جعلته سبعة أبواب , في كل باب منها سبعة فصول . ومن الله | أستمد العصمة , وأصابة الصواب , والرحمة , وجزيل الثواب , إنه الغفور الوهاب . | | فراغ | |
صفحہ 147
الباب الأول
في |
آلة النظر المسماة بالمنطق
| فراغ | |
صفحہ 149
الفصل الأول
في ماهية المنطق , ومفعته , وأمور ينتفع بهاغ توطئة .
المنطق : قانون يعلم به صحيح الفكر وفاسده . ونسبته إلى الرواية نسبة | العروض إلى الشعر , والإيقاع إلى أزمنة الألحان .
ويستغني عنهما بفطرته كثير من الناس . ولا يكاد يستغنى عن هذا | القانون إلا المؤيدون بهداية ربانية , وقليل ما هم , لكن الذين لا يهتدون بهذا | القانون , لبلادتهم , كثيرون .
والمراد بالفكرة ههنا , توجه الذهن نحو مبادي المطالب , ليتأدى من | تلك المبادئ إليها .
فتلك المبادئ تجري من الفكر مجرى المادة , والهيئة الحاصة من ترتيبها | تجري مجرى الصورة ولا بد في صلاح الفكر , أي في كونه مؤديا إلى المطلوب . | من صلاحيهما معا , ويكفي في فساده فساد أحدهما . |
صفحہ 151
والمبادىء : اما تصورية , أو تصديقية , فان حضور شيء ما عند الذهن | يسمى تصورا , وهو نفس الادراك .
وما يلحقه لحوقا يجعله محتملا للتصديق أو التكذيب , يسمى تصديقا , | هو الحكم بمتصور على متصور . ولا يطلب في العلوم سواهما .
ولما انحصر المعلوم في معلوم التصور , ومعلوم التصديق , فالمجهول | منحصر في مجهولهما . ويسمى الفكر الموصل إلى التصور قولا شارحا , والفكر | الموصل إلى التصديق حجة .
فقصارى أمر المنطقي , أن ينظر في مبادىء كل من القولين , وكيفية تأليفه | على الوجه الكلي القانوني , لا بالنظر إلى المواد المخصوصة بالمطالب الجزئية .
ويجب عليه أن ينظر في الألفاظ , من حيث هو : معلم للمنطق , أو متعلم | له , للعلاقة الوضعية بين اللفظ والمعنى , لا من حيث هو منطقي فقط .
وعلم المنطق بعضه على سبيل التذكير والتنبيه , وبعضه على سبيل العلم | المتسق , الذي لا يقع فيه غلط .
وهو قانون للبعض الذي بخلافه , وإلا لافتقر المنطق فيما يستنبط منه | بالفكر إلى منطق آخر , وليس كذا .
ولا بد من انتهاء المبادىء إلى تصورات وتصديقات بديهيتين , وإلا لاكتسب | المجهول بالمجهول , وهو محال , ولا تصديق إلا على تصورين فصاعدا . |
صفحہ 152
ويكفي في ذلك التصور بوجه ما فقط , حتى ان تصورنا من المجهول مطلقا | كونه مجهولا مطلقا , كاف في حكمنا عليه بامتناع الحكم عليه , أي في حال | لا يكون متصورا منه إلا هذا القدر .
ومدلول اللفظ الذي دلالته وضعية , ان كانت على المعنى الذي وضع | له , لأجل وضعه له , فهي المطابقة , كدلالة البيت على مجموع الجدار والسقف , | وإلا فمدلوله ان كان جزءا مما وضع له فهي تضمن , كدلالة البيت على الجدار . | وإن كان خارجا عنه فهي التزام , كدلالة السقف على الحائط . واللفظ الواحد | يدل على المعنى الواحد الحاصل في كثيرين بالسواء بالتواطؤ , كالحيوان على | جزئياته , ولا على السواء بالتشكيك , كالموجود على الجوهر والعرض , ويدل | على معانيه المختلفة بالاشتراك , كالعين على الباصرة وغيرها , وهذه قد يعمها | الوضع , وقد يخص بعضها , ويلحق غيره به , لشبه , أو نقل .
والألفاظ الكثيرة تدل على المعنى الواحد بالترادف , كالخمر والقمار , | وعلى المعاني الكثيرة بالتباين , كالسماء والأرض . واللفظ إن لم يقصد بشيء من | أجزائه المترتبة المسموعة الدلالة فيه على شيء من أجزاء معناه , فهو المفرد , | كزيد وعبد الله , وإلا فهو المركب , ويسمى قولا كالحيوان الناطق .
واحترزنا بالمرتبة المسموعة عن مثل صيغة الفعل الدالة على زمانه , | وجوهره الدال على الحدث , فإن كلا منهما جزؤه , ولكن غير مترتب ولا مسموع .
والمفرد إن استقل بالإخبار به أو عليه , فإن دل على معنى , وعلى زمانه | المحصل من الثلاثة - احترازا بالمحصل عن مثل الزمان في المتقدم المتصرف | إلى تقدم ومتقدم - فهو الكلمة , ' كمشى ' وإلا فهو الاسم , ' كالإنسان ' وإن | لم يستقل بذلك فهو الأداة ك ' في و ' هو ' كان ' الناقصة . |
صفحہ 153
وما منح مفهومه من وقوع الشركة فيه فهو جزئي , ' كزيد ' , المشار إليه , | وما لم يمنح مفهومه ذلك , فهو كلي وقعت الشركة فيه , ' كالإنسان ' , أو لم تقع | لمانع غير نفس المفهوم , ' كالشمس ' , والموصوف وصفاته إذا حكم ببعضه | على البعض , كيف كان , ' كالإنسان ضاحك ' أو ' الضاحك إنسان ' أو | ' كاتب ' , فالمحكوم عليه موضوع , والمحكوم به محمول بالمواطأة , بخلاف ما مثل | ' الضحك ' , و ' الكتابة ' لأنها لا تحمل إلا باشتقاق , ك ' الضاحك ' أو بأداة | نسبية , ك ' ذي ضحك ' .
والمحمول إن كان داخلا في ماهية موضوعه , ك ' الحيوان ' في الإنسان , | أو نفس ماهيته ك ' الإنسان ' ل ' زيد ' , إذ ' زيد ' عبارة عن إنسان متخصص | بعوارض , لا عن المجموع من الإنسان وتلك العوارض , فهو ذاتي , وإن كان خارجا | عنها فهو عرضي , اما لازم وهو الدائم الصحبة لها مع العلم بوجه وجوب تلك | الصحبة , كذي الزوايا الثلاث للمثلث , إن كان بينا , أو لمساوي الزوايا | بالقائمتين له , ان كان غير بين , يلحق بتوسط غيره , وإما مفارق , وهو ما | لا يكون كذلك . | وإن جاز دوام صحبته لها , اما بمفارقة سريعة , ككون زيد قائما , أو | بطئيه ، ككونه شابا .
وما أخذ من العرضيات من حيث يختص بماهية واحدة , فهو خاصة , | كالضحك للإنسان , سواء ساوته كهذه المثال , أو كانت لبعضه فقط , كالكاتب | بالفعل له , وما أخذ منها حيث يشمل ماهية وغيرها , فهو عرض عام , كالماشي | للإنسان , لا للحيوان , لاختصاصه به .
والمسئول بما هو : ان كان حقيقة واحدة , كالإنسان , فالجواب مجموع | | ذاتياتها , كالحيوان الناطق .
صفحہ 154
وإن كان فوق واحدة , فإن اختلفت حقائقها كالإنسان والفرس والطير . | فمجموع الذاتيات المشتركة بينها كالحيوان وحدة , وهو جنس كل واحد منهما , | وهي الأنواع بالإضافة إليه , وإن اتفقت حقائقها كزيد وخالد , المختلفين بالعدد | فقط , فبالحقيقة المشتركة حالتي الشركة والخصوصية , كالإنسان , وهو نوع | حقيقي , لتلك الكثرة , ومعناه غير معنى النوع الإضافي وقد تصدقان على ماهية | واحد , كهذا المثال , وقد يصدق كل منهما على ما لم يصدق عليه الآخر , | كالبسائط التي هي أنواع حقيقية فقط .
والأنواع المتوسطة التي هي إضافية فقط , إلا إذا اعتبرت بالنسبة إلى ما | اشترك فيه ما تحتها دون المخصصات , وقد تتصاعد الأجناس إلى ما لا جنس | فوقه , وهو العالي , وجنس الأجناس , وتتنازل الأنواع الإضافية إلى ما ليس | تحته إلا الأصناف والأشخاص , وهو الأنواع .
والمتوسطات أجناس لما تحتها , وأنواع لما فوقها ف وخصوصية كل نوع هو | فصله المقوم , كالناطق للإنسان , ويقال في جواب أي ما هو في ذاته , وكل | شيئين إن صدق أحدهما على كل ما صدق عليه الآخر .
فأما مع العكس , وهو المساوي , كالإنسان / والضاحك , أولا مع | العكس , فالأول أعم مطلقا , والآخر أخص مطلقا , كالحيوان الأعم , والإنسان | الأخص , وإن لم يصدق أحدهما على ما صدق عليه الآخر .
فإن صدق على بعضه , فبينهما عموم وخصوص من وجه , كالإنسان | والأبيض وإلا فهما متباينان , كالإنسان والفرس , والموجود والمعدوم . |
صفحہ 155
ولا تزيد المحمولات المفردة على الخمسة التي هي :
الجنس والنوع الحقيقي والفصل والخاصة والعرض العام , لأنها إما ذاتية | أو عرضية . والذاتية إما صالحة لأن تقال في جواب ما هو , أو غير صالحة , | والصالحة إما على مختلفات الحقائق , وهي الجنس أولا على مختلفاتها , وهي | النوع الحقيقي , وغير الصالحة لذلك إما غير مشتركة , أو ليست تمام | المشتركة , بل جزؤه المساوي له , إذ الجزء في الجملة لا يكون أخص مطلقا , | ولا من وجه , ولا مباينا , لأنه كلما صدق الكل صدق الجزء , فانتفت هذه | الثلاث . وفي هذا الموضع لا يكون أعم مطلقا وإلا لكان تمام مشترك بين ما هية | ما وغيرها , وهو خلاف الغرض , فتعين أنه مساو , وعلى تقدير أنها ليست تمام | المشترك , أو هي بعضه المساوي , فهي صالحة به , للتمييز , فيكون فصلا .
والعرضية إن اعتبر عروضها للماهية الواحدة فهي خاصة , وإلا فهي | عرض عام .
وكل واحد من هذه الخمسة إنما هو ذلك الواحد بالإضافة , فقد يصدق | على واحد عدة منها , كاللون فإنه جنس للسواد والبياض , ونوع للكيف | وخاصة للجسم , وعرض عام للإنسان , ومعروض كل واحد منها يسمى | بالطبيعي , وعارضة بالمنطقى , ومجموعهما بالعقلى .
فالحيوان جنس طبيعي , والجنسية العارضة له جنس منطقي , والحيوان | مع الجنسية جنس عقلي , وكذا قياس باقيها . | |
صفحہ 156
الفصل الثاني
في |
اكتساب التصورات
التصور إما تام , وهو الإحاطة بكنه حقيقة المتصور , وإما ناقص , وهو | تمييزه عما عداه , من غير تلك الإحاطة . والقول الشارح الموصل إلى التصور | التام يسمى حدا تاما , ولا بد وأن يشمل على ذاتيات المحدود أجمع , فيكون | مركبا من جنسه وفصله , إن كان تركيبه منهما , إذ الجنس يتضمن جميع | الذاتيات المشتركة , والفصل يتضمن جميع الذاتيات المميزة إن كان لذلك | الجنس والفصل تركب , وكما أن اتحاد الشيء في الخارج لا يتم إلا باتحاد جميع | أجزائه . فإيجاده في الذهن الذي هو تصوره , لا يتم إلا بإيجاد جميع ذاتياته فيه , | ومتى لم يكن كل واحد من ذاتيات المحدود متصورا بالتصور التام , لم يتم | الحد , إذ لا يتصور به كنه حقيقة الشيء .
وحد الحد هو أنه القول الدال بالمطابقة على ماهية الشيء . وظن أن جميع | ذاتيات الشيء نفس ذلك الشيء , فيكون التعريف بها تعريف الشيء بنفسه , | وليس كذا . فإن الأشياء التي كل واحد منها متقدم على شيء ، يمتنع كونها نفس | ذلك الشيء المتأخر عنها , بل هي تصير عند الاجتماع ماهية هي المتأخرة , | فتحصل معرفتها بها , فالعلم بالجنس وبالفصل بالتركيب التقييدي متقدم على | العلم بالجنس المقيد بالفصل , والفرق بين مجموع الشيء وبين أجزائه بأسرها , | أن المجموع هو اعتبار ما يقع فيه التأليف مع التأليف , والأجزاء بأسرها هي | التأليف من غير التفات إلى التأليف . |
صفحہ 157
ويجب تقديم الجنس على الفصل في الحد , لأن الجنس يدل على شيء مبهم | يحصلة الفصل , وإذا عكس هذا الترتيب اختل الجزء الصوري من ذلك الحد , | فلا يشتمل على جميع الأجزاء .
والحد إما بحسب الماهية في نفس الأمر , وهو صعب لجواز الإخلال | بذاتي لم يطلع عليه , ولوقوع كثير من الأغاليط الحدية فيه . وإما بحسب | المفهوم فلا يتأتى فيه ذلك , إذ هو مجرى العناية .
وإذا عنينا بالإنسان , الحيوان المنتصب القامة , الضاحك بالطبع , فكل | واحد من هذه ذاتي بحسب المفهوم , ولا يسوغ الزيادة عليها , والنقصان منها , | عند استعادة حد الإنسان مثلا , وإلا لكان المحدود أولا لا غير المحدود ثانيا .
ويجب ألا تغفل عن هذا القانون في الحد المفهومي . وأما الموصل إلى | التصور الناقص , فمنه الحد الناقص , وهو ما أخل فيه ببعض الذاتيات , | كتعريف الإنسان بأنه الجسم الناطق , فأخل بفصل جنسه الذي هو الحيوان , | أو بأنه الناطق , فأخل بجنسه جملة .
ومنه الرسم , أما التام , وهو ما يميز الشيء عن جميع ما عداه . وأما | الناقص وهو ما يميزه عن بعض ما عداه .
وأجود الرسوم ما يوضع فيه الجنس أولا , ليقيد ذات الشيء , فإن | الفصول والخواص واللوازم , لا تدل بالمطابقة إلا على شيء ما يستلزمها , أو | يختص بها .
صفحہ 158
فأما ذلك الشيء فلا يدل عليه إلا بالالتزام . ودلالة الالتزام غير مضبوطة , | فقد ينقل العقل بالالتزام إلى الشيء وإلى جزئه , وإلى خاصة أخرى له , فإذا | | وضع الجنس دل على أصل الذات المرسومة , ويتم التعريف بإيراد اللوازم | والخواص , كما يقال للإنسان أنه حيوان مشاء على قدميه , عريض الأظفار , | ضحاك بالطبع , ويقال للمثلث أنه الشكل الذي / له ثلاث زوايا .
وإذا استقصى في ذكر الخواص واللوازم , فإن العقل حينئذ يطلب لها جامعا , | هو الذات , فيستغني عند ذلك عن ذكر الجنس ولا يتم قول شارح إلا بما | يخص المعرف , إما بأن يكون كل واحد من أجزائه كذلك , كرسم الشيء بمجموع | خواصه أو البعض كذلك دون البعض , كرسمه بالجنس والخاصة , أو يخص | بالاجتماع كرسمه بمجموع كل فرد منه .
والجنس عرض عام , وجملة تلك الأعراض خاصة , كالطائر الولود | للخفاش . ويجب أن تكون الخواص والأعراض المعرفة للشيء مبينة له , وليس | من شرط كونها معرفة أن يعلم اختصاصها بالشيء , لأن العلم بالإختصاص | متوقف على العلم بالمختص والمختص به . فلو عرف بذلك الاختصاص لكان | دورا , بل من شرطه أن يكون بحيث ينتقل الذهن من تصوره إلى تصور المعرف | به , والمعلوم مطلقا , وكذا المجهول مطلقا , لا يتصور طلب تصورهما , بل المعلوم | من وجه والمجهول من آخر , كإدراك ناقص , يطلب تكميله أو زيادته وإن لم | يكتمل . والخطأ في الأقوال الشارحة منه ما يختص بالحد , ومنه ما يعمه والرسم .
أما الذي يختص بالحد فأن يوجد مكان الجنس أحد أمور سبعة :
صفحہ 159
أما اللوازم العامة , كالوجود والعرضية , وأما الفصل كقولهم العشق | إفراط المحبة , وإنما هو المحبة المفرطة , وأما النوع كقولهم : الشرير من يظلم | الناس , والظلم نوع من الشر , وأما جنس آخر كما يقال : العفيف ذو قوة | يتمكن بها من اجتناب الشهوات , فإن الفاجر أيضا له هذه القوة , ولا يجتنب , | | فقد أخذت القوة مكان الملكة , وأما الموضوع كأخذ الخشب في حد الكرسي , فإنه | يوجد قبل الهيئة السريرية وبعدها , ولا كذلك الجنس , فإن وجوده يتقدم | بالفصل وجعلهما واحد , وأما المادة الفاسدة , كقولهم : الخمر عنب معتصر , | والرماد خشب محترق , وأما الجزء كقولهم : الإنسان حيوان ناطق , وعنوا | بالحيوان ما تخصص به , فإن التخصيص لا يقال على المختلفات فلا يكون جنسا , | بل الحيوان الذي هو جنس يجب أن يؤخذ غير مشروط بقيد أنه ناطق , ولا يفيد | أنه لا ناطق , إذ الأول هو الإنسان نفسه , الثاني مناف له , فلا تحمله عليه , | وبأن توجد الانفعالات مكان الفضول , فإن الفضول لا تبطل الشيء , والانفعالات | قد تبطله .
وأما الذي يعم الحد والرسم فبأن يعرف الشيء بنفسه , كقولهم : العدد | كثرة من الآحاد , والعدد والكثرة واحد , أو بما يساويه في المعرفة والجهالة , | كقولهم : الأب هو الذي له ابن , أو بما هو أخفى منه , كقولهم المثلث شكل زواياه | الثلاث مساوية لقائمتين , أو بما لا يعرف إلا به , كقولهم : الشمس كوكب يطلع | نهارا , والنهار هو زمان طلوع الشمس . | |
صفحہ 160
الفصل الثالث
في |
القضايا وأقسامها
القول إما تقييدي كالحيوان الناطق ، وهو في قوة مفرد ، كالإنسان ، أو | جزئي ، وهو ما يعرض له لذاته أن يكون صادقا أو كاذبا .
واحترزنا ب ' لذاته ' عن مثل تفضل بكذا ، فإنه أمر بالذات ، ويدل | على الجزئية ، أي أريد تفضلك به ، أو خارج عنهما ، كالتمني والترجي | والأمر والنهي والقسم والنداء والتعجب والاستفهام .
فالتقييدي ينتفع به في الأقوال الشارحة ، وقد مضى ذلك . وما مثل التمني | وما معه هو أخص بالمحاورات دون العلوم ، وينتفع به في الخطابة والشعر ، | وما يجري مجراهما مما لا يتعلق بغرض هذا الكتاب .
وأما الجزئي فهو الذي ينتفع به في تركيب الحجج ، وتسمى قضية ، ولا بد | فيها من محكوم عليه ومحكوم به ، إيجابا أوسلبا . فإن لم يكونا جزأين قد | أخرجا بالتركيب عن الجزئية ، كالإنسان ماش ، أو ليس ، أو كالحيوان الناطق | ماش أو هو متنقل ينقل قدميه ، أو ليس ، فهي الحملية . وإن كانا كذلك فهي | الشرطية . والارتباط بين الجزأين إن كان بلزوم أو بمصاحبة أو سلب | أحدهما فهي المتصلة ، وإن كان بعناد أو عدم موافقة أو سلب أحدهما ، فهي | المنفصلة . |
صفحہ 161
فأما الحملية فهي التي حكم فيها بكون أحد جزأيها ، وهو المحمول مقولا | على ما يقال عليه الآخر ، وهو الموضوع ، سواء كان ذاتا وحدها ، كالإنسان كاتب ، | أو هو مع صفة كاضاحك كاتب .
والموضوع والمحمول هما مادة القضية ، وما يربط أحدهما بالآخر هو | صورتها ، وقد يحذف في بعض اللغات لفظا ، لدلالة القرينة عليه معنى ، كما | يقال : زيد ماش ، وحقه أن يقال : هو ماش .
والموضوع أن لم يمكن تعدده ، إما لكونه جزئيا ، كزيد كاتب ، أو ليس ، | أو باعتبار الحكم ، كالحيوان جنس ، فالحملية مخصوصة ، وإن أمكن تعدده ، | فإن تبين أن الحكم على كل واحد من أفراده بإيجاب ككل إنسان حيوان ، | وهي الموجبة الكلية ، أو بسلب ، كلا شيء ولا واحد من الناس بحجر ، وهي | السالبة الكلية ، وعلى بعضها بإيجاب ، كبعض الناس كاتب ، وهي الموجبة | الجزئية ، أو ليس بكاتب ، وهي السالبة الجزئية ، فعلى التقادير الأربع ، / | الحملية محصورة .
وإن لم يتبين ذلك كالإنسان في خسر ، أو ليس ، فالحملية مهملة ، وهي | مساوية للجزئية ، وفي قوتها فإنه إذا صدق الحكم على كل الأفراد أو على بعضها | فعلى التقديرين يصدق على بعضها يقينيا .
ويتناول الحكم في المحصورة ، ما يدخل تحت الموضوع من الأجناس والأنواع | والأصناف والأشخاص الموجودة ، والمفروض وجودها ، مما لا يمتنع | اتصافهما به .
وإذا قلنا كل ج ب فلا يعني مجموع الجيمات ، ولا كلية جيم المنطقية | ولا العقلية ، بل يعني كل واحد من أفراد ج الشخصية ، أو غيرها .
صفحہ 162
وبالجملة فيما يوصف ب ' ج ' وصفا مأخوذا من حيث هو بالفعل ، لا بالقوة ، | | كما للنطفة التي هي بالقوة إنسان ، سواء كان موصوفا به كذلك في الغرض | الذهني ، أو في الوجود الخارجي ، وسواء اتصف به دائما ، أو غير دائم ، بل | كيف اتفق فهو ب على أحد جهات الحمل ، التي يأتي ذكرها .
وإذا كان المحمول معدولا ، وهو الذي عبر عنه بأداة سلب مع لفظ محصل ، | سميت الحملية معدولة ، كقولنا : الإنسان هو لافرس .
وتشتبه الموجبة فيها بالسالبة المحصلة ، والفرق بينهما ، هو أن الموجبة | المعدولة حكم فيها بارتباط السلب ، السالبة المحصلة ، حكم فيها بسلب | الارتباط . فالسلب في أحداهما رافع للإيجاب ، وفي الأخرى بخلافه .
والإيجاب لا يصح ولا يصدق إلا على محقق في الخارج ، أي في نفس الأمر أن | حكم بثبوت المحمول للموضوع كذلك ، والا ففي العقل ، ولا كذلك السلب ، فأن | المعدومين أو المعدوم أنهما كان قد يرفع الارتباط بينهما في الخارج ، فيصدق | الحكم فيها على غير الثابت ، اذا اخذ من حيث هو غير ثابت .
ولكل موضوع إلى محمول نسبة مافي نفس الامر مخصوصة ، فان كان | تخصصها بالوجوب ، كزيد انسان ، أو ليس ، فهي مادة واجبة ، وان كان | بالامتناع فهي مادة ممتنعة ، كزيد حجر ، أو ليس ، وإن كان بالإمكان فهي مادة | ممكنة ، كزيد كاتب ، أو ليس ، وما يتلفظ به من خصوصية النسبة ، أو يفهم - | وإن لم يتلفظ به - فهو جهة القضية سواء طابقت المادة ، أو لم تطابق .
وقد تكون الجهة متناولة لأزيد من مادة واحدة ، كحكمنا ، بالنسبة لغير | الممتنعة ، فإنها تتناول مادتي الوجوب والإمكان ، وكذا قياس غيرها من | الجهات العامة . |
صفحہ 163
وإذا حكم بدوام النسبة أو سلبها ما دامت ذات الموضوع ثابتة ، فالقضية | ضرورية ، إن قيدت بالوجوب ، كالإنسان بالضرورة حيوان ، أو ليس بحجر .
ودائمة إن لم يقيد به ، وكان محتملا له ، كزيد أبيض البشرة دائما ، أو | ليس وإذ ما لا يجب لا يوجد ، كما ستعلم ، فلا دائم إلا ضروري في نفس الأمر .
ولكن مرادنا بالدوام ما لا يحكم بوجوبه ، فإن قيدناه بالاضرورة فالمراد | أنا لا نعلم وجه وجوبه . وحينئذ لا يصدق الحكم به على كل واحد ، إذ جزئيات | الكلي لا تتناهى ، فلا يطلع العقل على دوام الحكم عليها ، إلا إذا وجب ذلك لنفس | طبيعة الكلى ، وعلى الموضوع الجزئي جاز ذلك للمشاهدة والوجدان ، كما | يمثل به .
وإن حكم بأن ثبوت المحمول أو سلبه دائم بدوام الوصف المعبر به عن | الموضوع ككل كاتب متحرك الأصابع ، أو ليس بساكنها ما دام كاتبا ، مع جواز | دوامه بدوام الذات ، أو لا دوامه ، فهي المشروطة ، إن قيد بوجوبه بحسب | الوصف ، والعرفية إن لم يقيد به ، وإن حكم بذلك في بعض أوقات الوصف | المذكور ، مع جواز صدق الحمل العرفي أو لا صدقه ، ككل مجنوب يسعل أو لا | يسعل في بعض أوقات كونه مجنوبا ، فهي الحينية الضرورية ، إن قيد بالضرورة | في ذلك الوقت ، والحينية المطلقة إن لم يقيد بها ، وإن حكم بذلك في بعض أوقات | ثبوت ذات الموضوع ، مع جواز باقي الاحتمالات ، فهي العرفية الضرورية أن | تعرض لقيد الضرورة ، والمطلقة إن لم يتعرض له ، وإن قيد الحكم فيما عدا | الضرورية والدائمة باللادوام بدوام ذات الموضوع فالجهة مركبة من تلك الجهة ، | ومن مطلقة تخالفها في الكيف ، أي في الإيجاب والسلب ، وقد توافقها في الكم ، | | وقد تخالفها .
صفحہ 164
وإن كان الحكم بسلب ضرورة العدم في الإيجاب ، أو بسلب ضرورة | الوجود في السلب فهي الممكنة العامة ، وإن كان بسلب الضرورتين معا فيهما ، | فهي الممكنة الخاصة ، وهي مركبة من ممكنتين عامتين مختلفتي الكيفية ، وقد | تكون الضرورة المسلوبة في الممكنتين مقيدة بوصف أو وقت ، وجاز ألا يصدق | الحكم في الممكنات بالفعل في وقت من الأوقات ، كزيد بالإمكان العام أو الخاص | ككاتب ، وإن لم يكتب دائما . ولا تصدق هذه في نفس الأمر ، إذ لا دائم غير | ضروري في نفسه ، بل صدقها إنما هو على الوجه الذي سبق في الدائمة .
والموجهات لا نهاية لها ، إذ الأحكام وقيودها لا تقف عند حد لا يمكن الزيادة | عليه ، وتقاس أحكام ما لم / يذكر في الموجهات على ما ذكر منا ، هذا ما يتعلق | بالحملية .
أما المتصلة فهي التي حكم فيها بصدق قضية تسمى التالي ، على تقدير | صدق أخرى تسمى المقدم في الموجبة ، أو بلا صدق التالي على تقدير صدق المقدم | في السالبة ، وهي إما لزومية أن حكم في الإيجاب بلزوم التالي للمقدم ، وفي السلب | بسلب اللزوم ، مثل : إن كان زيد يكتب تتحرك يده ، وليس إن كان يكتب فهو | ماش . | والفرق بين لزومية السلب وسالبة اللزوم ، على قياس الفرق بين الموجبة | المعدولة والسالبة البسيطة . فهي الحملية .
صفحہ 165
وأما اتفاقية إذا حكم فيها في الإيجاب بتوافق جزأيها على الصدق ، من | غير حكم باللزوم ، وإن لم يمنع ، وفي السلب بعدم ذلك التوافق ، مثل : إن كان | الإنسان ناطقا فالحمار ناهق ، وليس إن كان ناطقا فهو صاهل . | | وخصوص المتصلة بتخصيص حكمها بالأحوال أو بالاتفاقات المعنية ، كاليوم إن | جئتني أكرمتك ، وحصرها الكلي بكون الحكم في جميع الأحوال والتقادير الممكن | اجتماعها مع المقدم التي لا أثر لها في الاستصحاب ، وإنما قيدت بما يمكن | اجتماعها بالمقدم ، واحترازا من تقدير عدم اللزوم ، ومن مثل لزوم الفردية | للثلاثة ، على تقدير انقسامها بمتساويين .
والقيد الثاني ، لئلا تكون تلك الأحوال والتقادير أجزاء من المقدم ، فتعود | الكلية مهملة . وحصرها الجزئي يكون الحكم في بعضها ، وإهمالها بإهمال ذلك | كله ، وسور الإيجاب الكلي ' كلما ودائما ' ، والجزئي ' قد يكون ' ، وسور السلب | الكلي ' ليس البتة ودائما ليس ' ، والجزئي قد لا يكون ، وليس كلما كان ، وليس | دائما ، وما في معاني هذه .
وإذا اعتبر تأليف المتصلة من حمليات وشرطيات وخلط منهما ، فهي على | تسعة أقسام من حمليتين ، وقد تمثل : إن كان كلما كانت الشمس طالعة فالنهار | موجود ، فكلما كان الليل موجود فالشمس غازبة ، ومنفصلتين مثل : إن كان | هذا المرض إما صفراويا أو بلغميا ، فهو إما من حرارة أو من برودة ، وحملية | مقدم ومتصلة تالي ، مثل : أن كان طلوع الشمس علة وجود النهار فكلما كانت | الشمس طالعة ، كان النهار موجودا ، وعكسه كعكس هذا المثال .
ومن حملية ومنفصلة على قسميها ، مثل إن كان هذا عددا فهو إما زوج أو | فرد ، وعكسه ، ومن متصلة ومنفصلة على قسميها مثل : إن كان كلما كانت | الشمس طالعة كان النهار موجودا ، أو أما ألا تكون طالعة ، أو | يوجد النهار ، وعكسه .
صفحہ 166