وكان عبد العزيز بن محمد الصغير (بالتصغير مثقلا) قد سأل السلطان في هذا الشهر أن يمكنه من التكلم على الأوقاف وليقطع المرتبات عليها ويعمرها، وما فاض بها عن العمارة حمله إلى الخزانة الشريفة، فرسم له بذلك، وذهب بالمرسوم إلى السعد بن الديري الحنفي، فكتب عليه بالامتثال، ثم ذهب إلى الشافعي فأبى، ثم اجتمع بالسلطان فسأله أن يمنعه من الكلام على ما تحت يده فأجابه، وطلب المرسوم من ابن الصغير فقطعه، ثم كتب له آخر بالكلام على ما عدا أوقاف الشافعية، ولبس الخلعة بذلك يوم الاثنين سابع عشري جمادى الآخرة هذا، فنزل في جبروت زايد، وكان قد بيت على خلق كثير من الفقهاء ممن تحت أيديهم أوقاف، فأحضرهم إلى بيته، فتعقبه الدويدار الثاني تمربغا مملوك السلطان، وناظر الخاص يوسف بن كاتب جكم، فقرأا عليه ورقة من عند قاضي القضاة ابن الديري الحنفي تتضمن الاستعفاء من القضاء، فإنه صار منسوبا إلى الخيانة في الأوقاف، والعجز عن القيام بها، فأخل ذلك بناموسه في القضاء، وآل الأمر إلى عجزه عن تنفيذ الأحكام على الأخصام، ونحو هذا من الكلام، وكلما السلطان في أمر ابن الصغير، وفصلا له بعض ما يريد أن يؤذي به الناس، فأرسل طواشيا إلى بيته، فأخذ منه الخلعة والمرسوم، فأما الخلعة فردها إلى ناظر الخاص، وأما المرسوم فقطعه، وقال بعض أهل الخير في ناظر الخاص: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وصول الترجمان من قبرس:
وفي هذا العشر الأخير من جمادى الآخرة هذا، وصل فارس ترجمان الفرن بجزية أهل قبرص، ومعه نحو المائة من الأسرى، وكان قد أرسل إلى هذه الجزيرة من مدة طويلة، وانقطع خبره حتى ساءت بهم الظنون، وتبين أن أصل ذلك الخبر السابق عن استيلاء الكيتلان على قبرس؛ أن ملك الكيتلان صاهر صاحب قبرص، فتزوج ابنته، وجعله صاحب قبرس الملك بعده، والتزم له ذلك الملك أن يمنعه من سائر من حوله من المسلمين العرب والعجم. رد الله كيدهم في نحورهم آمين.
ابن الزهري قاضي طرابلس:
صفحہ 128