وفي أوائل هذا الشهر هجم جمع من الفرنج مدينة صور، من بلاد الشام، ليلا فقاتلهم أهلها، قتالا شديدا، فبلغ الخبر محمد بن بشارة، مقدم بلاد جبل عاملة، وهو أقرب الرؤساء إليهم، فأتى لذلك فيما تيسر معه، في ذلك الوقت، من الفرسان، في نحو ثلاثين فارسا، وأمر بإيقاد النيران، فكان كلما نظر أهل قرية النار أوقدوا مثلها، وأسرعوا نحو الصوت، فما وصل إلى صور حتى تلاحقت به رجال العشران، فوجد الفرنج، قد غلبوا على البلد، وجاسوا خلال الديار، فحال بينهم، وبين البحر، فوقع بينهم الحرب، من ذلك الوقت، إلى قريب الزوال، من يوم تلك الليلة، وقتل منهم أربعين رجلا، فيما بلغني عن كتابه، وقتل من المسلمين ثلاثة أنفس، ونجى من بقي من الفرنج بنفسه، وأسروا نحو أربعة أنفس، من أهل البلد، ولم يتمكن من رؤوس المقتولين إلا من عشرة رؤوس، فأرسلها إلى السلطان مع لبوس جميع القتلى، فوصل ذلك يوم الثلاثاء، هذا ولله الحمد، والمنة على نصر دينه، وإعزاز كلمته، ثم وردت المكاتبات الشامية، أنهم ذهبوا إلى صيدا فأرادوا ورود نهر الدامور، ليستقوا منه، فحصل بينهم وبين من هناك قتال، ولم يتمكنوا من مرادهم، ثم بادروا إلى بيروت ترجيا لفرصة الغفلة، فجد نائبها السير من صيدا، فما وصلوا إلا والبر معمور برجال الإسلام، فلم يمكنهم طروق البر، فتوجهوا نحو طرابلس، فأقاموا بساحلها ثلاثة أيام، والناس تجاههم بالبر، ولم يحصلوا على طائل، فرجعوا.
برج الطينة:
وفي يوم الخميس ثالث عشري جمادى الآخرة هذا وصل الخبر أن الفرنج طرقوا برج الطينة، الذي بين قطيا ودمياط، وكان فيه نحو خمسة عشر رجلا، فنزلوا إلى البر، ونصبوا عليه المكاحل، فحاصروه، حتى عجز من فيه، فقتل منهم أربعة أنفس، وهرب الباقون، فهدموا بعض البرج، وأخذوا ما به من السلاح، والأمتعة، وكان من كان هناك، قد عرفوا ما بالميناء، من المراكب، فحرق الفرنج ما برز لهم على وجه الماء منها، ولا قوة إلا بالله.
دمياط:
صفحہ 126