وفي يوم الاثنين حادي عشري الشهر، وهو الموافق لسادس عشري بؤونة، من سنة القبط، نودي على البحر بزيادة ثلاث أصابع، وكانت قاعدته أربعة أذرع ونصف، بعد أن كان احترق احتراقا، قل أن عهد مثله؛ بحيث أن بحر الروضة نشف من نحو خمسة مواضع، فكان يمشي فيما بينها، وبين مصر من تلك المواضع، من أراد مشيئا، وأخبرني غير واحد من الثقات الأثبات، أنه ليلة نزول النقطة أتى القاضي كاتب السر الكمال البارزي بثلاث قطع طين كل واحدة وزن ستة عشر درهما، وبوزن إحداهما قمحا، فبيت إحدى القطع في خزانة في قاعته، وأخرى في القاعة، وأخرى تحت السماء، وكذا القمح، ثم وزن ذلك في النهار، فوجد قطع الطين قد زادت كل واحدة منها أربعة قراريط ونصف سواء، لم تزد واحدة منها عن الأخرى شيئا، ووجد القمح قد نقص وزن نصف درهم، وقالوا إن القاعدة، المجربة في مثل ذلك، أن الله تعالى أجرى العادة، أن يزيد البحر لكل قيراط من زيادة الطين ذراعا، بعد الستة عشر، وينقص سعر القمح إلى نقص وزنه، ويزيد إن زاد، وقد وقع ذلك في القمح، نقص سعره عما كان كثيرا، فإنه كان قد وصل الإردب منه إلى ستة دنانير، فنقص ثلاثة، نسأل الله الزيادة، وأن يحقق أمر الطين، كما حقق أمر القمح، وتناقصت أسعار الحبوب بدخول الجديد منها، وبزيادة البحر، بعد أن كانت عزت عزة زائدة، حتى قارب سعر الفول سعر القمح، وهو ستة دنانير، وكان الحال في هذا العام شديدا من جهة الغلاء جدا، انكشف فيه حال غالب الناس، وصار كثير من المستوردين سائلا، لكن الذي كان يخفف الأمر، ويسكن الروع، وجود الخبز والدقيق، وقد كان الظن قاضيا بعدمه، أو عزة وجوده، وكنت أتعجب من وجوده، ولا أدري سببه إلى أن أخبرني الشيخ علي العجمي المحتسب: أنه رأى الترقق للطحانين، والخبازين، فكان لا يغفل عن افتقادهم ساعة واحدة، من النهار، فإذا أخبر، أن الخباز ترك الخبز أحضره، وسأله عن سبب ذلك، فيخبره، أن الطحان لم يحضر إليه دقيقا، فيرسل إلى الطحان المقرر له، فيسأله، فيخبره أن تجار القمح لا يأخذون منه، من ثمن القمح إلا ذهبا، وأن الخباز لا يعطيه إلا فلوسا، قال: فأترفق به، وأترقق له، وأعطيه الثمن من عندي ذهبا، وآخذ الفلوس، فأصرفها، وأخذت من السلطان ذهبا، فكنت أستعين به على ذلك. قال: وربما كنت أسعى في تيسير أمر بعض الخبازين، من المغرب، فما أفرغ منه إلى نصف الليل، أو بعد ذلك، وجمعت الطحانين، وطلعت بهم إلى السلطان، وسألته أن يكلمهم كلاما حسنا، ويعدهم الخير إذا سدوا أمر البلاد، إلى مجيء النيل، ففعل، فسروا بذلك كثيرا. قال: وكنت لا أغفل عن اجتلاب القمح من سائر البلاد، وتركتهم من الأمر والنهي، فكانوا يبيعون كيف شاؤوا، وبأي ثمن ارادوا، حتى طمأن الله العباد، بمجيء البحر الذي لا يقدر عليه أحد سواه. فشكرته لعمري على ما صنع، وما وصل، وما قطع، جزاه الله خيرا آمين.
وصول حميد الدين:
وفي نحو العشرين من جمادى الأولى، وصل حميد الدين بن قاضي بغداد، قاضي الحنفية بدمشق، إلى القاهرة، هاربا مما حل به في دمشق عقب عزله من سوء التراسيم، وتسليط أولي الغدر على الفتك به.
رد نساء جهنكير:
وفي هذا الحد، بلغ السلطان، أن نساء جهنكير اللاتي كان النواب دروهن، وأرسل هو يعيب على النواب ذلك فاستقدمهن بلغه أنهن وصلن إلى دمشق جائيات، فجهز مرسوما على يد بريدي، بردهن.
المرتد:
صفحہ 121